السماء السابعة ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الرّيح فماتوا. وقال مقاتل : هذه الزّلزلة قبل النّفخة الأولى ، وذلك أنّ مناديا ينادي من السماء : يا أيّها الناس أتى أمر الله فيفزعون فزعا شديدا فيشيب الصغير ، وتضع الحوامل.
قوله تعالى : (شَيْءٌ عَظِيمٌ) أي : لا يوصف لعظمه.
قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها) يعني : الزّلزلة (تَذْهَلُ) فيه قولان : أحدهما : تسلو عن ولدها ، وتتركه ، قاله ابن قتيبة. والثاني : تشغل عنه ، قاله قطرب ، ومنه قول ابن رواحة :
ويذهل الخليل عن خليله
وقرأ أبو عمران الجوني ، وابن أبي عبلة : «تذهل» برفع التاء وكسر الهاء «كلّ» بنصب اللام. قال الأخفش : وإنّما قال : «مرضعة» ، لأنه أراد ـ والله أعلم ـ الفعل ، ولو أراد الصّفة فيما نرى ، لقال : «مرضع». قال الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام ، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام ، وهو يدلّ على أنّ الزّلزلة تكون في الدنيا ، لأنّ بعد البعث لا تكون حبلى.
قوله تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) وقرأ عكرمة ، والضّحّاك ، وابن يعمر ، «وترى» بضمّ التاء. ومعنى «سكارى» : من شدّة الخوف (وَما هُمْ بِسُكارى) من الشراب ، والمعنى : ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم ، لشدّة ما يمرّ بهم ، يضطربون اضطراب السّكران من الشراب. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف : «سكرى وما هم بسكرى» وهي قراءة ابن مسعود. قال الفرّاء : وهو وجه جيد ، لأنه بمنزلة الهلكى والجرحى. وقرأ عكرمة ، والضّحّاك ، وابن السّميفع : «سكارى وما هم بسكارى» بفتح السين والراء وإثبات الألف ، (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) فيه دليل على أنّ سكرهم من خوف عذابه.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) قال المفسّرون : نزلت في النّضر بن الحارث. وفيما جادل فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان كلّما نزل شيء من القرآن كذّب به ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه زعم أنّ الملائكة بنات الله ، قاله مقاتل. والثالث : أنه قال : لا يقدر الله على إحياء الموتى ، ذكره أبو سليمان الدّمشقي. قوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : إنما يقوله بإغواء الشّيطان ، لا بعلم (وَيَتَّبِعُ) ما يسوّل له (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) وقد ذكرنا معنى «المريد» في سورة النساء (١). قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) «كتب» بمعنى : قضي. والهاء في «عليه» وفي «تولاه» كناية عن الشيطان. ومعنى الآية : قضي على الشيطان أنّه يضلّ من اتّبعه. وقرأ أبو عمران الجوني : «كتب» بفتح الكاف «أنه» بفتح الهمزة «فإنه» بكسر الهمزة وقرأ أبو مجلز ، وأبو العالية ، وابن أبي ليلى ، والضّحّاك ، وابن يعمر : «إنّه» «فإنّه» بكسر الهمزة فيهما. وقد بيّنّا معنى «السّعير» في سورة النّساء (٢).
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ
__________________
(١) سورة النساء : ١١٧.
(٢) سورة النساء : ١٠.