فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) فيه قولان : أحدهما : أنه آدم عليهالسلام. وإنما قيل : «من سلالة» لأنه استلّ من كلّ الأرض ، هذا مذهب سلمان الفارسيّ ، وابن عباس في رواية ، وقتادة. والثاني : أنه ابن آدم ، والسّلالة : النّطفة استلّت من الطّين ، والطّين : آدم عليهالسلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الزّجّاج : والسّلالة : فعالة ، وهي القليل ممّا ينسل ، وكلّ مبنيّ على «فعالة» يراد به القليل ، من ذلك : الفضالة ، والنّخالة ، والقلامة.
قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناهُ) يعني : ابن آدم (نُطْفَةً فِي قَرارٍ) وهو الرّحم (مَكِينٍ) أي : حريز ، قد هيّئ لاستقراره فيه. وقد شرحنا في سورة الحجّ (١) معنى النّطفة والعلقة والمضغة.
قوله تعالى : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «عظاما فكسونا العظام» على الجمع. وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «عظما فسكونا العظم» على التّوحيد.
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) هذه الحالة السّابعة. قال عليّ رضي الله عنه لا تكون موؤودة حتى تمرّ على التّارات السّبع. وفي محلّ هذا الإنشاء قولان : أحدهما : أنه بطن الأمّ. ثم في صفة الإنشاء قولان : أحدهما : أنه نّفخ الرّوح فيه ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والشّعبيّ ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضّحّاك في آخرين. والثاني : أنه جعله ذكرا أو أنثى ، قاله الحسن. والقول الثاني : أنه بعد خروجه من بطن أمّه. ثم في صفة هذا الإنشاء أربعة أقوال : أحدها : أنّ ابتداء ذلك الإنشاء أنه استهلّ ، ثم دلّ على الثّدي ، وعلّم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، إلى أن بلغ الحلم ، إلى أن تقلّب في البلاد ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثاني : أنه استواء الشباب ، قاله ابن عمر ، ومجاهد. والثالث : أنه خروج الأسنان والشّعر ، قاله الضّحّاك ، فقيل له : أليس يولد وعلى رأسه الشّعر؟ فقال : وأين العانة والإبط؟. والرابع : أنه إعطاء العقل والفهم ، حكاه الثّعلبي.
قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ) أي : استحقّ التّعظيم والثّناء. وقد شرحنا معنى «تبارك» في الأعراف (٢) (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) أي : المصوّرين والمقدّرين. والخلق في اللغة : التّقدير. وجاء في الحديث.
(١٠١٥) أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر ، إلى قوله تعالى : (خَلْقاً آخَرَ) ، فقال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد ختمت بما تكلّمت به يا ابن الخطّاب».
____________________________________
(١٠١٥) ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبي الخليل كما في «الدر» ٥ / ١١ ، وصالح أبو الخليل في عداد تابع التابعين ، فالخبر واه. وأخرجه الطيالسي ٤١ ومن طريقه الواحدي ٦٢٧ وابن
__________________
(١) سورة الحج : ٥.
(٢) سورة الأعراف : ٥٤.