فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) وقوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (١). فالجواب : أنّ الخلق يكون بمعنى الإيجاد ، ولا موجد سوى الله ، ويكون بمعنى التّقدير ، كقول زهير :
وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفري (٢)
فهذا المراد ها هنا ، أنّ بني آدم قد يصوّرون ويقدّرون ويصنعون الشيء ، فالله خير المصوّرين والمقدّرين. وقال الأخفش : الخالقون ها هنا هم الصّانعون ، فالله خير الخالقين.
قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) أي : بعد ما ذكر من تمام الخلق (لَمَيِّتُونَ) عند انقضاء آجالكم. وقرأ أبو رزين العقيلي ، وعكرمة ، وابن أبي عبلة : «لمائتون» بألف. قال الفرّاء : والعرب تقول لمن لم يمت : إنّك مائت عن قليل ، وميت ، ولا يقولون للميت الذي قد مات : هذا مائت ، إنما يقال في الاستقبال فقط ، وكذلك يقال : هذا سيّد قومه اليوم ، فإذا أخبرت أنه يسودهم عن قليل ، قلت : هذا سائد قومه عن قليل ، وكذلك هذا شريف القوم ، وهذا شارف عن قليل ؛ وهذا الباب كلّه في العربية على ما وصفت لك.
(وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) يعني : السّموات السّبع ، قال الزّجّاج : كلّ واحدة طريقة. وقال ابن قتيبة : إنما سمّيت «طرائق» بالتّطارق ، لأنّ بعضها فوق بعض ، يقال : طارقت الشيء : إذا جعلت بعضه فوق بعض.
قوله تعالى : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : ما غفلنا عنهم إذ بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب. والثاني : ما كنّا تاركين لهم بغير رزق ، فأنزلنا المطر. والثالث : لم نغفل عن حفظهم من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم. قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) يعلمه الله ، وقال مقاتل : بقدر ما يكفيهم للمعيشة.
____________________________________
أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٣ / ٣٠٤ عن أنس عن عمر به ، من حديثه. «وافقت ربي في أربع ...» فذكره منها والوهن فيه فقط في الفقرة الأخيرة وهي ما يتعلق بهذه الآية. وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف روى مناكير كثيرة ، ولا يحتج بما ينفرد به.
وأصل الحديث في الصحيحين دون الموافقة المذكورة في هذه الآية. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٧٠٠ و «تفسير ابن كثير» ٣ / ٣٠٤ و «تفسير القرطبي» ٤٤٦٠ جميعا بتخريجنا ، ولله الحمد والمنة.
__________________
(١) سورة فاطر : ٣.
(٢) هو جزء من بيت لزهير بن أبي سلمى وتمامه :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض |
|
القوم يخلق ثم لا يفري |
وهو في «اللسان» ـ خلق ـ و «شرح ديوان زهير» ٩٤.