قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) وقرأ ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب : «في غمراتهم» على الجمع. قال الزّجّاج : في عمايتهم وحيرتهم (حَتَّى حِينٍ) أي : إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب. قال مقاتل : يعني كفّار مكّة.
فصل : وهل هذه الآية منسوخة ، أم لا؟ فيها قولان : أحدهما : أنها منسوخة بآية السّيف. والثاني : أنّ معناها التّهديد ، فهي محكمة.
قوله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ) وقرأ عكرمة ، وأبو الجوزاء : «يمدّهم» بالياء المرفوعة وكسر الميم. وقرأ أبو عمران الجوني : «نمدّهم» بنون مفتوحة ورفع الميم. قال الزّجّاج : المعنى : أيحسبون أنّ الذي نمدّهم به (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) مجازاة لهم؟! إنما هو استدراج ، (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) أي : نسارع لهم به في الخيرات. وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وأيوب السّختيانيّ : «يسارع» بياء مرفوعة وكسر الراء. وقرأ معاذ القارئ ، وأبو المتوكّل مثله ، إلّا أنهما فتح الراء وقرأ أبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدريّ ، وابن السّميفع : «يسرع» بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف. قوله تعالى : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أي : لا يعلمون أنّ ذلك استدراج لهم.
(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١))
ثم ذكر المؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) وقد شرحنا هذا المعنى في قوله : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (١).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) وقرأ عاصم الجحدريّ : «يأتون ما أتوا» بقصر همزة «أتوا».
(١٠١٦) وسألت عائشة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآية فقالت : يا رسول الله ، أهم الذين يذنبون وهم مشفقون؟ فقال : «لا ، بل هم الذين يصلّون وهم مشفقون ، ويصومون وهم مشفقون ، ويتصدّقون
____________________________________
(١٠١٦) حسن. أخرجه الترمذي ٣١٧٥ وابن ماجة ٤١٩٨ وأحمد ٦ / ٢٠٥ والطبري ٢٥٥٦٠ و ٢٥٥٦٢ ، والحاكم ٢ / ٣٩٤ والبيهقي في «الشعب» ٧٦٢ من طريق عبد الرحمن بن سعيد الهمداني عن عائشة به. وإسناده ضعيف ، رجاله رجال مسلم ، إلا أنه منقطع ، عبد الرحمن لم يدرك عائشة. وجرى الحاكم على ظاهره ، فصححه! وسكت الذهبي! ووصله الطبري ، فقد أخرجه ٢٥٥٥٩ من طريق عمر بن قيس عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن عائشة ، وإسناده ضعيف لضعف عمر بن قيس. وكرره ٢٥٥٦١ من وجه آخر عن ليث عن مغيث عن رجل من أهل مكة عن عائشة ، وإسناده ضعيف ، فيه راو لم يسمّ. وكرره ٢٥٥٦٣ من طريق ليث وهشيم عن العوام بن حوشب عن عائشة ، وهو ضعيف لانقطاعه بين عائشة والعوام. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٢٩٣ عن ليث عن عمرة عن عائشة ، وإسناده ضعيف لضعف ليث ، وهو ابن أبي سليم.
الخلاصة : هو حديث حسن صحيح ، بمجموع طرقه ، والله أعلم.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢٨.