مواطنهم. تقولون : نحن أهل الحرم فلا نخاف أحدا ، ونحن أهل بيت الله وولاته ، هذا مذهب ابن عباس وغيره. قال الزّجّاج : ويجوز أن تكون الهاء في «به» للكتاب ، فيكون المعنى : تحدث لكم تلاوته عليكم استكبارا. قوله تعالى : (سامِراً) قال أبو عبيدة : معناه : تهجرون سمّارا ، والسّامر بمعنى السّمّار ، بمنزلة طفل في موضع أطفال ، وهو من سمر الليل. وقال ابن قتيبة : «سامرا» أي : متحدّثين ليلا ، والسّمر : حديث الليل. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو العالية ، وابن محيصن : «سمّرا» بضمّ السين وتشديد الميم وفتحها ، جمع سامر. قرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدريّ : «سمّارا» برفع السين وتشديد الميم وألف بعدها. قوله تعالى : (تَهْجُرُونَ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «تهجرون» بفتح التاء وضمّ الجيم. وفي معناها أربعة أقوال : أحدها : تهجرون ذكر الله والحقّ ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثاني : تهجرون كتاب الله تعالى ونبيّه صلىاللهعليهوسلم ، قاله الحسن. والثالث : تهجرون البيت ، قاله أبو صالح. وقال سعيد بن جبير : كانت قريش تسمر حول البيت ، وتفتخر به ولا تطوف به. والرابع : تقولون هجرا من القول ، وهو اللّغو والهذيان ، قاله ابن قتيبة. قال الفرّاء : يقال : قد هجر الرجل في منامه : إذا هذى ، والمعنى : إنّكم تقولون في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما ليس فيه وما لا يضرّه. وقرأ ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن محيصن ، ونافع : «تهجرون» بضمّ التاء وكسر الجيم. قال ابن قتيبة : وهذا من الهجر ، وهو السّبّ والإفحاش من المنطق ، يريد سبّهم للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ومن اتّبعه. وقرأ أبو العالية ، وعكرمة ، وعاصم الجحدريّ ، وأبو نهيك : «تهجّرون» بتشديد الجيم ورفع التاء ؛ قال ابن الأنباري : ومعناها معنى قراءة ابن عباس.
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠))
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) يعني : القرآن ، فيعرفوا ما فيه من الدّلالات والعبر على صدق رسولهم (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) المعنى : أليس قد أرسل الأنبياء إلى أممهم كما أرسل محمّد صلىاللهعليهوسلم؟! (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) هذا توبيخ لهم ، لأنهم عرفوا نسبه وصدقة وأمانته صغيرا وكبيرا ثم أعرضوا عنه. والجنّة : الجنون ، (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) يعني القرآن.
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣))
قوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) في المراد بالحقّ قولان : أحدهما : أنه الله عزوجل ، قاله مجاهد ، وابن جريج ، والسّدّيّ في آخرين. والثاني : أنه القرآن ، ذكره الفرّاء ، والزّجّاج. فعلى القول الأول يكون المعنى : لو جعل الله لنفسه شريكا كما يحبّون. وعلى الثاني : لو نزّل القرآن بما يحبّون من جعل شريك لله (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) أي : فما فيه شرفهم وفخرهم وهو القرآن (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) أي : قد تولّوا عما جاءهم من شرف الدنيا والآخرة. وقرأ ابن