قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي : يطهّر من يشار من الإثم بالتّوبة والغفران ؛ فالمعنى : وقد شئت أن أتوب عليكم (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) علم ما في نفوسكم من التّوبة والنّدامة.
(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢))
قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ) وقرأ الحسن ، وأبو العالية ، وأبو جعفر ، وابن أبي عبلة : «لا يتألّ» بهمزة مفتوحة بين التاء واللام وتشديد اللام على وزن يتعلّ.
(١٠٣٢) قال المفسّرون : سبب نزولها أنّ أبا بكر الصّدّيق كان ينفق على مسطح لقرابته وفقره ، فلمّا خاض في أمر عائشة قال أبو بكر : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا ، فنزلت هذه الآية ، فأمّا الفضل ، فقال أبو عبيدة : هو التّفضّل والسّعة. الجدة. قال المفسّرون : والمراد به : أبو بكر.
قوله تعالى : (أَنْ يُؤْتُوا) قال ابن قتيبة : معناه : أن لا يؤتوا ، فحذف «لا». فأمّا قوله تعالى : (أُولِي الْقُرْبى) فإنه يعني مسطحا ، وكان ابن خالة أبي بكر ، وكان مسكينا ، وكان مهاجرا. قال المفسّرون : فلمّا سمع أبو بكر (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) قال : بلى يا ربّ ، وأعاد نفقته على مسطح.
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) يعني : العفائف (الْغافِلاتِ) عن الفواحش ، (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا) أي : عذّبوا بالجلد ، وفي الآخرة بالنّار.
واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية على أربعة أقوال (١) : أحدها : أنها نزلت في عائشة خاصّة. قال خصيف : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية ، فقلت : من قذف محصنة لعنه الله؟ قال : لا ، إنما أنزلت هذه الآية في عائشة خاصّة. والثاني : أنها في أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصّة ، قاله الضّحّاك. والثالث : أنها في المهاجرات. قال أبو حمزة الثّمالي : بلغنا أنّ المرأة كانت إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة ، قذفها المشركون من أهل مكّة ، وقالوا : إنما خرجت تفجر ، فنزلت هذه الآية. والرابع : أنها عامّة في أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم وغيرهنّ ، وبه قال قتادة ، وابن زيد.
فإن قيل : لم اقتصر على ذكر المحصنات دون الرّجال؟
____________________________________
(١٠٣٢) هو طرف حديث الإفك المتقدم برقم ١٠٤٥ ، وهو عند الطبري ٢٥٨٧٥ من طريق ابن إسحاق عن الزهري ، وقد عنعن. لكن الحجة بما تقدم ، ذكره البخاري ٤٧٥٧ من وجه آخر تعليقا ، ووصله أحمد ٦ / ٥٩ والطبري ٢٥٢٥٧. وانظر «أحكام القرآن» ١٥٧١ بتخريجنا.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٢٩٢ : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في شأن عائشة ، والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفه بها فيها.