إذا كنت عزهاة عن اللهو والصّبا |
|
فكن حجرا من يابس الصّخر جامدا (١) |
معناه : فتصوّر نفسك حجرا ، وهؤلاء قوم اعترفوا أنّ الله خالقهم ، وجحدوا البعث ، فأعلموا أنّ الذي ابتدأ خلقهم هو الذي يحييهم.
قوله تعالى : (فَسَيُنْغِضُونَ) قال قتادة : يحركونها تكذيبا واستهزاء. قال الفراء : يقال : أنغض رأسه : إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل. وقال ابن قتيبة : المعنى يحركونها كما يحرّك الآيس من الشيء والمستبعد له رأسه ، يقال : نغضت سنّه : إذا تحرّكت.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) يعنون البعث (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) أي : هو قريب. ثم بيّن متى يكون فقال : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) يعني : من القبور بالنداء الذي يسمعكم ، وهو النّفخة الأخيرة (فَتَسْتَجِيبُونَ) أي : تجيبون. قال مقاتل : يقوم إسرافيل على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن. فيقول : أيّتها العظام البالية ، وأيّتها اللحوم المتمزقة ، وأيّتها الشّعور المتفرّقة ، وأيّتها العروق المتقطعة ، اخرجوا إلى فصل القضاء لتجزوا بأعمالكم ، فيسمعون الصوت ، فيسعون إليه. وفي معنى (بِحَمْدِهِ) أربعة أقوال (٢) : أحدها : بأمره ، قاله ابن عباس وابن جريج وابن زيد. والثاني : يخرجون من القبور وهم يقولون : سبحانك وبحمدك ، قاله سعيد بن جبير. والثّالث : أن معنى (بِحَمْدِهِ) : بمعرفته وطاعته ، قاله قتادة ، قال الزّجّاج : تستجيبون مقرّين أنه خالقكم. والرابع : تجيبون بحمد الله لا بحمد أنفسكم ، ذكره الماوردي.
قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) في هذا الظّنّ قولان : أحدهما : أنه بمعنى اليقين. والثاني : أنه على أصله. وأين يظنّون أنهم لبثوا قليلا؟ فيه ثلاثة أقوال : أحدها : بين النّفختين ومقداره أربعون سنة ، ينقطع في ذلك العذاب عنهم ، فيرون لبثهم في زمان الراحة قليلا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : في الدنيا ، لعلمهم بطول اللبث في الآخرة ، قاله الحسن. والثالث : في القبور ، قاله مقاتل. فعلى هذا إنما قصر اللبث في القبور عندهم ، لأنهم خرجوا إلى ما هو أعظم عذابا من عذاب القبور. وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هذه الآية خطاب للمؤمنين ، لأنهم يجيبون المنادي يحمدون الله على إحسانه إليهم ، ويستقلّون مدّة اللبث في القبور ، لأنهم كانوا غير معذّبين.
(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣))
قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) في سبب نزولها قولان :
(٨٩٧) أحدهما : أنّ المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكّة ، بالقول والفعل ،
____________________________________
(٨٩٧) باطل. ذكره الواحدي ٥٧٨ في «أسباب النزول» عن الكلبي بدون إسناد مختصرا ، والكلبي يضع الحديث.
__________________
(١) في «اللسان» العزهاة : هو الذي لا يقرب النساء. وفيه انقباض وإعراض. وفي رواية «اللسان» : فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا. وصخرة جلمد : شديدة مجتمعة صلبة.
(٢) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ٨ / ٩٢ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : معناه : فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته ، ودعائه إياكم ولله الحمد على كل حال ، كما يقول القائل : فعلت ذلك الفعل بحمد الله ، يعني لله الحمد على كل ما فعلته.