فيهما. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «نحشرهم» بالنون «فيقول» بالياء. وقرأ ابن عامر : «نحشرهم» «فنقول» بالنون فيهما جميعا ؛ ويعني : المشركين ، (وَما يَعْبُدُونَ) قال مجاهد : يعني عيسى وعزيرا والملائكة. وقال عكرمة ، والضّحّاك : يعني الأصنام ، فيأذن الله للأصنام في الكلام ، ويخاطبها : (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي) أي : أمرتموهم بعبادتكم (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) أي : أخطئوا الطّريق. (قالُوا) يعني الأصنام (سُبْحانَكَ) نزّهوا الله تعالى أن يعبد غيره (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) نواليهم ؛ والمعنى : ما كان ينبغي لنا أن نعبد نحن غيرك ، فكيف ندعو إلى عبادتنا؟! فدلّ هذا الجواب على أنهم لم يأمروا بعبادتهم. وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، وابن جبير ، والحسن ، وقتادة ، وأبو جعفر ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : «أن نتّخذ» برفع النون وفتح الخاء. ثم ذكروا سبب تركهم للإيمان ، فقالوا : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ) أي : أطلت لهم العمر وأوسعت لهم الرّزق (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أي : تركوا الإيمان بالقرآن والاتّعاظ به (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) قال ابن عباس : هلكى. وقال في رواية أخرى ، البور : في لغة أزد عمان : الفاسد. قال ابن قتيبة : هو من بار يبور : إذا هلك وبطل ، يقال : بار الطعام : إذا كسد ، وبارت الأيّم : إذا لم يرغب فيها.
(١٠٤٨) وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتعوّذ من بوار الأيّم.
قال : وقال أبو عبيدة : يقال رجل بور وقوم بور ، لا يجمع ولا يثنّى ، واحتجّ بقول الشاعر :
يا رسول المليك إنّ لساني |
|
راتق ما فتقت إذ أنا بور (١) |
قال : وقد سمعنا ب «رجل بائر» ، ورأيناهم ربّما جمعوا «فاعلا» على «فعل» ، نحو عائذ وعوذ ، وشارف وشرف. قال المفسّرون : فيقال للكفّار حينئذ (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) أي : فقد كذّبكم المعبودون في قولكم : إنهم آلهة. وقرأ سعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومعاذ القارئ ، وابن شنبوذ عن قنبل : «بما يقولون» بالياء ؛ والمعنى : كذّبوكم بقولهم : (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) الآية ؛ هذا قول الأكثرين. وقال ابن زيد : الخطاب للمؤمنين ؛ فالمعنى : فقد كذّبكم المشركون بما تقولون : إنّ محمّدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) قرأ الأكثرون بالياء. وفيه وجهان : أحدهما : فما يستطيع المعبودون صرفا للعذاب عنكم ولا نصرا لكم. والثاني : فما يستطيع الكفّار صرفا لعذاب الله عنهم ولا نصرا لأنفسهم. وقرأ حفص عن عاصم : «تستطيعون» بالتاء ؛ والخطاب للكفّار. وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال : الصّرف : الحيلة من قولهم : إنه ليتصرّف. قوله تعالى : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) أي : بالشّرك (نُذِقْهُ) في الآخرة. وقرأ عاصم الجحدري ، والضّحّاك ، وأبو الجوزاء وقتادة : «يذقه» بالياء (عَذاباً كَبِيراً) أي : شديدا. (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال الزّجّاج : في الآية محذوف ، تقديره : وما أرسلنا قبلك رسلا من المرسلين ، فحذفت رسلا لأنّ قوله : (مِنَ الْمُرْسَلِينَ) يدلّ عليها.
قوله تعالى : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) أي : إنهم كانوا على مثل حالك ،
____________________________________
(١٠٤٨) لا أصل له في المرفوع ، وإنما هو من كلام بعض السلف. وانظر «تفسير القرطبي» ١٣ / ١٤.
__________________
(١) البيت لعبد الله بن الزبعرى السهمي كما في «اللسان» ـ بور ـ و «مجاز القرآن» : ٢ / ٧٣.