وملكه. والثالث : أنه اسم للسّورة ، قاله مجاهد. والرابع : أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة ، وأبو روق. وما بعد هذا قد سبق تفسيره (١) إلى قوله : (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) والمعنى : لعلّك قاتل نفسك لتركهم الإيمان.
ثم أخبر أنه لو أراد أن ينزّل عليهم ما يضطرّهم إلى الإيمان لفعل ، فقال : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ) وقرأ أبو زرين ، وأبو المتوكّل : «إن يشأ ينزّل» بالياء فيهما ، (عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) جعل الفعل أولا للأعناق ، ثم جعل «خاضعين» للرّجال ، لأنّ الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون. وقيل : لمّا وصف الأعناق بالخضوع ، وهو من صفات بني آدم ، أخرج الفعل مخرج الآدميّين كما بيّنّا في قوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٢) ، وهذا اختيار أبي عبيدة. وقال الزّجّاج : قوله : «فظلّت» معناه : فتظلّ ، لأنّ الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل ، كقولك : إن تأتني أكرمتك ، معناه : أكرمك ؛ وإنّما قال : «خاضعين» لأنّ خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها ، وذلك أنّ الخضوع لمّا لم يكن إلّا بخضوع الأعناق ، جاز أن يخبر عن المضاف إليه ، كما قال الشاعر :
رأت مرّ السّنين أخذن منّي |
|
كما أخذ السّرار من الهلال (٣) |
فلمّا كانت السّنون لا تكون إلّا بمرّ ، أخبر عن السّنين ، وإن كان أضاف إليها المرور. قال : وجاء في التّفسير أنه يعني بالأعناق كبراءهم ورؤساءهم. وجاء في اللغة أنّ أعناقهم جماعاتهم ؛ يقال : جاءني عنق من الناس ، أي : جماعة. وما بعد هذا قد سبق تفسيره (٤) إلى قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ) يعني المكذّبين بالبعث (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها) بعد أن لم يكن بها نبات (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) قال ابن قتيبة : من كلّ جنس حسن. وقال الزّجّاج : الزّوج : النّوع ، والكريم : المحمود.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ) الإنبات (لَآيَةً) تدلّ على وحدانيّة الله وقدرته (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : ما كان أكثرهم يؤمن في علم الله ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) المنتقم من أعدائه (الرَّحِيمُ) بأوليائه.
(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))
قوله تعالى : (وَإِذْ نادى) المعنى : واتل هذه القصّة على قومك. قوله تعالى : (أَنْ يُكَذِّبُونِ) ياء
__________________
(١) المائدة : ١٥ ، والكهف : ٦.
(٢) يوسف : ٤.
(٣) البيت لجرير ، كما في ديوانه ٤٢٦ و «اللسان» ـ خضع ـ و «تفسير القرطبي» ١٣ / ٨٧.
(٤) الأنبياء : ٢.