«يكذّبون» محذوفة ، ومثلها (أَنْ يَقْتُلُونِ) (١) «سيهدين» (٢) «فهو يهدين» (٣) «ويسقين» (٤) «فهو يشفين» (٥) «ثم يحيين» (٦) «كذّبون» (٧) «وأطيعون» (٨) فهذه ثماني آيات أثبتهنّ في الحالين يعقوب.
قوله تعالى : (وَيَضِيقُ صَدْرِي) أي : بتكذيبهم إيّاي (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) للعقدة التي كانت بلسانه. وقرأ يعقوب : «ويضيق» «ولا ينطلق» بنصب القاف فيهما ، (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) المعنى : ليعينني ، فحذف ، لأنّ في الكلام دليلا عليه. (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه ؛ والمعنى : ولهم عليّ دعوى ذنب (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) به (قالَ كَلَّا) وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظّنّ ؛ والمعنى : لن يقتلوك لأنّي لا أسلّطهم عليك ، (فَاذْهَبا) يعني : أنت وأخوك (بِآياتِنا) وهي : ما أعطاهما من المعجزة (إِنَّا) يعني نفسه عزوجل (مَعَكُمْ) فأجراهما مجرى الجماعة (مُسْتَمِعُونَ) نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به.
قوله تعالى : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال ابن قتيبة : الرّسول يكون بمعنى الجميع ، كقوله : (هؤُلاءِ ضَيْفِي) (٩) وقوله : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (١٠). وقال الزّجّاج : المعنى : إنّا رسالة رب العالمين ، أي : ذوو رسالة ربّ العالمين ، قال الشاعر :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول (١١) |
أي : برسالة.
قوله تعالى : (أَنْ أَرْسِلْ) المعنى : بأن أرسل (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : أطلقهم من الاستعباد ، فأتياه فبلّغاه الرّسالة ، ف (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) أي : صبيّا صغيرا (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) وفيها ثلاثة أقوال. أحدها : ثماني عشرة سنة ، قاله ابن عباس. والثاني : أربعون سنة ، قاله ابن السّائب. والثالث : ثلاثون سنة ، قاله مقاتل ، والمعنى : فجازيتنا على أن ربّيناك أن كفرت نعمتنا ، وقتلت منّا نفسا ، وهو قوله : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ) وهي قتل النّفس. قال الفرّاء : وإنّما نصبت الفاء ، لأنها مرّة واحدة ، ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها.
وفي قوله : (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) قولان (١٢) : أحدهما : من الكافرين لنعمتي ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والضّحّاك وابن زيد. والثاني : من الكافرين بإلهك ، كنت معنا على ديننا الذي تعيب ، قاله الحسن ، والسّدّيّ. فعلى الأول : وأنت من الكافرين الآن. وعلى الثاني : وكنت. وفي قوله : (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) ثلاثة أقوال : أحدها : من الجاهلين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن
__________________
(١) الشعراء : ١٤.
(٢) الشعراء : ٦٢.
(٣) الشعراء : ٧٨.
(٤) الشعراء : ٧٩.
(٥) الشعراء : ٨٠.
(٦) الشعراء : ٨١.
(٧) الشعراء : ١١٧.
(٨) الشعراء : ١٠٨.
(٩) الحجر : ٦٨.
(١٠) الحج : ٥.
(١١) البيت لكثير عزة ، كما في «اللسان» ـ رسل ـ.
(١٢) قال الطبري رحمهالله ٩ / ٤٣٧ : وأشبه الأقوال بتأويل الآية أن يقال : من الكافرين لنعمتي ، لأن فرعون لم يكن مقرا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه هو الرب ، فغير جائز أن يقول لموسى إن كان موسى عنده على دينه يوم قتل القتيل. إلا أن يقول قائل : إنما أراد : وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى على قولك اليوم فيكون ذلك وجها يتوجه.