قوله تعالى : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) أي : بأمر ظاهر يعرف به صدقي أتسجنني؟! وما بعد هذا مفسّر في الأعراف (١) إلى قوله : (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) وهو يوم الزّينة ، وكان عيدا لهم ، (وَقِيلَ لِلنَّاسِ) يعني أهل مصر. وذهب ابن زيد إلى أنّ اجتماعهم كان بالإسكندريّة. قوله تعالى : (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) قال الأكثرون : أرادوا سحرة فرعون ؛ فالمعنى : لعلّنا نتّبعهم على أمرهم. وقال بعضهم : أرادوا موسى وهارون ، وإنما قالوا ذلك استهزاء. قال ابن جرير : و «لعل» ها هنا بمعنى «كي». وقوله تعالى : (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ) أي : بعظمته.
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١))
قوله تعالى : (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) قال الزّجّاج : اللام دخلت للتوكيد.
قوله تعالى : (لا ضَيْرَ) أي : لا ضرر. قال ابن قتيبة : هو من ضارة يضوره ويضيره ؛ بمعنى ضرّه. والمعنى : لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا لأنّا ننقلب إلى ربّنا في الآخرة مؤمّلين غفرانه.
قوله تعالى : (أَنْ كُنَّا) أي : لأن كنا (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) بآيات موسى في هذه الحال.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩))
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي : يتبعكم فرعون وقومه.
قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ) المعنى : وقال فرعون إنّ هؤلاء ، يعني بني إسرائيل (لَشِرْذِمَةٌ) قال ابن قتيبة : أي : طائفة. قال الزّجّاج : والشّرذمة في كلام العرب : القليل. قال المفسّرون : وكانوا ستمائة ألف ، وإنما استقلّهم بالإضافة إلى جنده ، وكان جنده لا يحصى. قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) تقول : غاظني الشيء ، إذا أغضبك. قال ابن جرير : وذكر أنّ غيظهم كان لقتل الملائكة من قتلت من أبكارهم. قال : ويحتمل أنّ غيظهم لذهابهم بالعواري التي استعاروها من حليّهم ، ويحتمل أن يكون لفراقهم إيّاهم وخروجهم من أرضهم على كره منهم.
قوله تعالى : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «حذرون» بغير ألف. وقرأ الباقون : (حاذِرُونَ) بألف. وهل بينهما فرق؟ فيه قولان : أحدهما : أن الحاذر ، المستعدّ ، والحذر : المتيقّظ. وجاء في التّفسير أنّ معنى حاذرين : مؤدون ، أي : ذوو أداة ، وهي السّلاح ، لأنها أداة الحرب. والثاني : أنهما لغتان معناهما واحد ؛ قال أبو عبيدة : يقال : رجل حذر وحذر وحاذر. والمقام الكريم : المنزل الحسن. وفي قوله تعالى : (كَذلِكَ) قولان : أحدهما : كذلك أفعل بمن عصاني ، قاله
__________________
(١) الأعراف : ١٠٧.