ابن السّائب. والثاني : الأمر كذلك ، أي : كما وصفنا ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) وذلك أنّ الله تعالى ردّهم إلى مصر بعد غرق فرعون ، وأعطاهم ما كان لفرعون وقومه من المساكن والأموال. وقال ابن جرير الطّبري : إنّما جعل ديار آل فرعون ملكا لبني إسرائيل ولم يرددهم إليها لكنّه جعل مساكنهم الشّام.
(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨))
قوله تعالى : (فَأَتْبَعُوهُمْ) قال ابن قتيبة : لحقوهم (مُشْرِقِينَ) أي : حين شرقت الشمس ، أي : طلعت ، يقال : أشرقنا : دخلنا في الشّروق ، كما يقال : أمسينا وأصبحنا. وقرأ الحسن ، وأيّوب السّختياني : «فاتّبعوهم» بالتّشديد. قوله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) وقرأ أبو رجاء ، والنّخعيّ ، والأعمش : «تراأى» بكسر الراء وفتح الهمزة ، أي : تقابلا بحيث يرى كلّ فريق صاحبه.
قوله تعالى : (كَلَّا) أي : لن يدركونا (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) أي : سيدلّني على طريق النّجاة. قوله تعالى : (فَانْفَلَقَ) فيه إضمار «فضرب فانفلق» ، أي : انشقّ الماء اثني عشر طريقا (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) أي : كلّ جزء انفرق منه. وقرأ أبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : «كلّ فلق» باللام ، (كَالطَّوْدِ) وهو الجبل.
قوله تعالى : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي : قرّبنا الآخرين من الغرق ، وهم أصحاب فرعون. وقال أبو عبيدة : «أزلفنا» أي : جمعنا. قال الزّجّاج : وكلا القولين حسن ، لأنّ جمعهم تقريب بعضهم من بعض ، وأصل الزّلفى في كلام العرب : القربى. وقرأ ابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبو رجاء والضّحّاك وابن يعمر : «أزلقنا» بالقاف ، وكذلك قرءوا : «أزلقت الجنّة» (١) بقاف أيضا. قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) يعني : في إهلاك فرعون وقومه عبرة لمن بعدهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : لم يكن أكثر أهل مصر مؤمنين ، إنما آمنت آسية ، وخربيل مؤمن آل فرعون ، وفنّة الماشطة ، ومريم ـ امرأة دلّت موسى على عظام يوسف ـ ، هذا قول مقاتل (٢). وما أخللنا به من تفسير كلمات في قصة موسى ، فقد سبق بيانها ، وكذلك ما تفقد ذكره في مكان ، فهو إمّا أن يكون قد سبق ، وإمّا أن يكون ظاهرا ، فتنبّه لهذا.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ
__________________
(١) في الشعراء : ٩٠.
(٢) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو متهم بالكذب ، فخبره لا شيء.