في سورة يوسف (١) ، وبيّنّا معنى (لِسانَ صِدْقٍ) في مريم (٢) ؛ والمراد بالآخرين : الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَاغْفِرْ لِأَبِي) قال الحسن : بلغني أنّ أمّه كانت مسلمة على دينه ، فلذلك لم يذكرها. فإن قيل : فقد قال : (اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) (٣). قيل : أكثر الذكر إنما جرى لأبيه ، فيجوز أن يسأل الغفران لأمّه وهي مؤمنة ، فأمّا أبوه فلا شكّ في كفره. وقد بيّنّا سبب استغفاره لأبيه في براءة (٤) ، وذكرنا معنى الخزي في آل عمران (٥). قوله تعالى : (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) يعني : الخلائق. قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) فيه ستة أقوال : أحدها : سليم من الشرك ، قاله الحسن وابن زيد. والثاني : سليم من الشّكّ ، قاله مجاهد. والثالث : سليم ، أي صحيح ، وهو قلب المؤمن ، لأنّ قلب الكافر والمنافق مريض ، قاله سعيد بن المسيّب. والرابع : أنّ السّليم في اللغة : اللّديغ ، فالمعنى : كاللّديغ من خوف الله عزوجل ، قاله الجنيد. والخامس : سليم من آفات المال والبنين ، قاله الحسين بن الفضل. والسادس : سليم من البدعة ، مطمئنّ على السّنّة ، حكاه الثّعلبي.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي : قربت إليهم حتى نظروا إليها ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي : أظهرت (لِلْغاوِينَ) وهم الضّالّون ، (وَقِيلَ لَهُمْ) على وجه التّوبيخ (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) أي : يمنعونكم من العذاب ، أو يمتنعون منه.
قوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا) قال السّدّيّ : هم المشركون. قال ابن قتيبة : ألقوا على رؤوسهم ، وأصل الحرف «كبّبوا» من قولك : كببت الإناء ، فأبدل من الباء الوسطى كافا ، استثقالا لاجتماع ثلاث باءات ، كما قالوا : «كمكموا» من «الكمّة» ، والأصل : «كمّموا». وقال الزّجّاج : معناه : طرح بعضهم على بعض : ؛ وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب ، كأنه إذا ألقي ينكبّ مرّة بعد مرّة حتى يستقرّ فيها. وفي الغاوين ثلاثة أقوال : أحدها : المشركون ، قاله ابن عباس. والثاني : الشّياطين ، قاله قتادة ، ومقاتل. والثالث : الآلهة ، قاله السّدّيّ. (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) أتباعه من الجنّ والإنس. (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) يعني : هم وآلهتهم ، (تَاللهِ إِنْ كُنَّا) قال الفراء : لقد كنّا. وقال الزجاج : ما كنّا إلا في ضلال.
قوله تعالى : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ) أي : نعدلكم بالله في العبادة (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) فيهم قولان : أحدهما : الشّياطين. والثاني : أوّلوهم الذين اقتدوا بهم ، قال عكرمة : إبليس وابن آدم القاتل. قوله
__________________
(١) يوسف : ١٠١.
(٢) مريم : ٥٠.
(٣) إبراهيم : ٤١.
(٤) التوبة : ١١٣.
(٥) آل عمران : ١٩٢.