قوله تعالى : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ ، ويعقوب إلّا زيدا : «بشهاب» بالتنوين. وقرأ الباقون على الإضافة غير منوّن. قال الزّجّاج : من نوّن الشّهاب ، جعل القبس من صفة الشّهاب ، وكلّ أبيض ذي نور ، فهو شهاب. فأمّا من أضاف ، فقال الفرّاء : هذا ممّا يضاف إلى نفسه إذا اختلفت الأسماء ، كقوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) (١). قال ابن قتيبة : الشّهاب : النّار ، والقيس : النار تقبس : يقال : قبست النّار قبسا ، واسم ما قبست : قبس.
قوله تعالى : (تَصْطَلُونَ) أي : تستدفئون ، وكان الزمان شتاء.
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَها) أي : جاء موسى النّار ، وإنما كان نورا فاعتقده نارا ، (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ المعنى : قدّس من في النّار ، وهو الله عزوجل ، قاله ابن عباس ، والحسن ؛ والمعنى : قدّس من نادى من النّار ، لا أنّ الله عزوجل يحلّ في شيء. والثاني : أنّ «من» زائدة ؛ فالمعنى : بوركت النّار ، قاله مجاهد. والثالث : أنّ المعنى بورك على من في النّار ، أو فيمن في النّار ؛ قال الفرّاء : والعرب تقول : باركه الله ، وبارك عليه ، وبارك فيه ، بمعنى واحد ، والتقدير : بورك في من طلب النار ، وهو موسى ، فحذف المضاف. وهذه تحيّة من الله تعالى لموسى بالبركة ، كما حيّا إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه ، فقالوا : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٢). فخرج في قوله تعالى : (بُورِكَ) قولان : أحدها : قدس. والثاني : من البركة. وفي قوله تعالى : (وَمَنْ حَوْلَها) ثلاثة أقوال : أحدها : الملائكة ، قاله ابن عباس ، والحسن. والثاني : موسى والملائكة ، قاله محمّد بن كعب. والثالث : موسى ؛ فالمعنى : بورك فيمن يطلبها وهو قريب منها.
(يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤))
قوله تعالى : (إِنَّهُ أَنَا اللهُ) الهاء عماد في قول أهل اللغة ؛ وعلى قول السّدّيّ : هي كناية عن المنادي ، لأنّ موسى قال : من هذا الذي يناديني؟ فقيل : «إنّه أنا الله».
قوله تعالى : (وَأَلْقِ عَصاكَ) في الآية محذوف ، تقديره : فألقاها فصارت حيّة ، (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) قال الفرّاء : الجانّ : الحيّة التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة (٣).
قوله تعالى : (وَلَمْ يُعَقِّبْ) فيه قولان : أحدهما : لم يلتفت ، قاله قتادة. والثاني : لم يرجع ، قاله
__________________
(١) يوسف : ١٠٩.
(٢) هود : ٧٣.
(٣) قال ابن كثير رحمهالله ٣ / ٤٤٣ : الجانّ ضرب من الحيات ، أسرعه حركة ، وأكثره اضطرابا.
ـ وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قتل الجنّان التي في البيوت». أخرجه البخاري ٣٣١٢ و ٣٣٣١٣ ومسلم ٢٢٣٣ وأبو داود ٥٢٥٣ وابن حبان ٥٦٣٩.