تعالى : (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) قال ابن قتيبة : ألهمني ، أصل الإيزاع : الإغراء بالشيء ، يقال : أوزعته بكذا ، أي : أغريته به ، وهو موزع بكذا ، ومولع بكذا ، وقال الزّجّاج. تأويله في اللغة : كفّني عن الأشياء إلّا عن شكر نعمتك ؛ والمعنى : كفّني عمّا يباعد منك ، (وَأَنْ أَعْمَلَ) أي : وألهمني أن أعمل (صالِحاً تَرْضاهُ) قال المفسّرون : إنما شكر الله تعالى لأنّ الريح أبلغت إليه صوتها ففهم ذلك.
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦))
قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) التّفقّد : طلب ما غاب عنك ؛ والمعنى أنه طلب ما فقد من الطّير ؛ والطّير اسم جامع للجنس ، وكانت الطّير تصحب سليمان في سفره تظلّه بأجنحتها (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، والكسائيّ : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) بفتح الياء. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة بالسكون ، والمعنى : ما للهدهد لا أراه؟! تقول العرب : مالي أراك كئيبا ، أي : مالك؟ فهذا من المقلوب الذي معناه معلوم. قال المفسّرون : لمّا فصل سليمان عن وادي النّمل ، وقع في قفر من الأرض ، فعطش الجيش فسألوه الماء ، وكان الهدهد يدلّه على الماء ، فإذا قال له : ها هنا الماء ، شقّقت الشياطين الصّخرة وفجّرت العيون قبل أن يضربوا أبنيتهم ، وكان الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزّجاجة ، فطلبه يومئذ فلم يجده. وقال بعضهم : إنما طلبه لأنّ الطّير كانت تظلّهم من الشمس ، فأخلّ الهدهد بمكانه ، فطلعت الشمس عليهم من الخلل.
قوله تعالى : (أَمْ كانَ) قال الزّجّاج : معناه : بل كان. قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) فيه ستة أقوال : أحدها : نتف ريشه ، قاله ابن عباس ، والجمهور. والثاني : نتفه وتشميسه ، قاله عبد الله بن شدّاد. والثالث : شدّ رجله وتشميسه ، قاله الضّحّاك. والرابع : أن يطليه بالقطران ويشمّسه ، قاله مقاتل بن حيّان. والخامس : أن يودعه القفص. والسادس : أن يفرّق بينه وبين إلفه ، حكاهما الثّعلبي. قوله تعالى : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) وقرأ ابن كثير : «ليأتينّني ، بنونين ، وكذلك هي في مصاحفهم. فأمّا السلطان ، فهو الحجّة ، وقيل : العذر.
وجاء في التفسير أنّ سليمان لمّا نزل في بعض مسيره ، قال الهدهد : إنه قد اشتغل بالنّزول فارتفع أنا إلى السماء فأنظر إلي طول الدنيا وعرضها ، فارتفع فرأى بستانا لبلقيس ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه ، فإذا هو بهدهد قد لقيه ، فقال : من أين أقبلت؟ قال : من الشّام مع صاحبي سليمان ، فمن أين أنت؟ قال : من هذه البلاد ، وملكها امرأة يقال لها : بلقيس ، فهل أنت منطلق معي حتى ترى ملكها؟ قال : أخاف أن يتفقّدني سليمان وقت الصّلاة إذا احتاج إلى الماء ، قال : إنّ صاحبك يسرّه أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ، فنظر إلى بلقيس وملكها ، (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) قرأ الجمهور بضمّ الكاف ، وقرأ