هذا قول ابن قتيبة. فإن قيل : من أين علم الغيب. فقد أجبنا عنه في سورة النّساء (١). قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً) قال ابن عباس : هم أولياء الله الذي عصمهم. قوله تعالى : (قالَ اذْهَبْ) هذا اللفظ يتضمّن إنظاره ؛ (فَمَنْ تَبِعَكَ) ، أي : تبع أمرك منهم ، يعني : ذرية آدم. والموفور : الموفّر. قال ابن قتيبة : يقال : وفّرت ماله عليه ، ووفرته ، بالتّخفيف والتّشديد.
قوله تعالى : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) قال ابن قتيبة : استخفّ ، ومنه تقول : استفزّني فلان. وفي المراد بصوته قولان (٢) : أحدهما : أنه كلّ داع دعا إلى معصية الله ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه الغناء والمزامير ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) أي : صح (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) واحثثهم عليهم بالإغراء ؛ يقال : أجلب القوم وجلّبوا : إذا صاحوا. وقال الزّجّاج : المعنى : اجمع عليهم كلّ ما تقدر عليه من مكايدك ؛ فعلى هذا تكون الباء زائدة. قال ابن قتيبة : والرّجل : الرّجّالة ؛ يقال : راجل ورجل ، مثل تاجر وتجر ، وصاحب وصحب. قال ابن عباس : كلّ خيل تسير في معصية الله ، وكلّ رجل يسير في معصية الله. وقال قتادة : إنّ له خيلا ورجلا من الجنّ والإنس. وروى حفص عن عاصم : «بخيلك ورجلك» بكسر الجيم ، وهي قراءة ابن عباس ، وأبي رزين ، وأبي عبد الرّحمن السّلمي. قال أبو زيد : يقال : رجل رجل : للرجّال ، ويقال : جاءنا حافيا رجلا. وقرأ ابن السّميفع ، والجحدريّ : «بخيلك ورجّالك» برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها. وقرأ أبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، وعكرمة : «ورجالك» بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف.
قوله تعالى : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) فيه أربعة أقوال : أحدها : أنها ما كانوا يحرّمونه من أنعامهم ، رواه عطيّة عن ابن عباس. والثاني : الأموال التي أصيبت من حرام ، قاله مجاهد. والثالث : التي أنفقوها في معاصي الله ، قاله الحسن. والرابع : ما كانوا يذبحون لآلهتهم ، قاله الضّحّاك. فأمّا مشاركته إيّاهم في الأولاد ، ففيها أربعة أقوال (٣) : أحدها : أنهم أولاد الزّنا ، رواه عطيّة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضّحّاك. والثاني : الموءودة من أولادهم ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث : أنه تسمية أولادهم عبيدا لأوثانهم ، كعبد شمس ، وعبد العزّى ، وعبد مناف ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع : ما مجّسوا وهوّدوا ونصّروا ، وصبغوا من أولادهم غير صبغة الإسلام ، قاله الحسن ، وقتادة.
قوله تعالى : (وَعِدْهُمْ) قد ذكرناه في قوله تعالى : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) (٤) إلى آخر الآية. وهذه
__________________
(١) سورة النساء : ١١٩.
(٢) قال الطبري ٨ / ١٠٨ : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : إن الله تبارك وتعالى قال لإبليس : واستفزز من ذرية آدم من استطعت أن تستفزه بصوتك ، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت ، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته ، وخلافا للدعاء إلى طاعة الله ، فهو داخل في معنى صوته.
(٣) قال الطبري رحمهالله ٨ / ١١١ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : كل ولد ولدته أنثى عصي الله بتسميته ما يكرهه الله ، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله ، أو بالزنا بأمه ، أو قتله ووأده ، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها به أو فيه ، وأطيع به الشيطان أو فيه.
(٤) سورة النساء : ١٢٠.