وعكرمة. والثاني : فله أفضل منها ، لأنه يأتي بحسنة فيعطى عشر أمثالها ، قاله زيد بن أسلم.
قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «من فزع يومئذ» مضافا. وقرأ عاصم. وحمزة ، والكسائيّ : «من فزع» بالتنوين «يومئذ» بفتح الميم. وقال الفرّاء : الإضافة أعجب إليّ في العربية ، لأنه فزع معلوم ، ألا ترى إلى قوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) (١). فصيّره معرفة ، فإذا أضفت مكان المعرفة كان أحبّ إليّ ، واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال : هي أعمّ التأويلين ، فيكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم. قال أبو عليّ الفارسيّ : إذا نون جاز أن يعنى به فزع واحد ، وجاز أن يعنى به الكثرة ، لأنه مصدر ، والمصادر تدلّ على الكثرة وإن كانت مفردة الألفاظ ، كقوله : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (٢) ، وكذلك إذا أضيف جاز أن يعنى به فزع واحد ، وجاز أن يعنى به الكثرة ؛ وعلى هذا القول ، القراءتان سواء ، فإن أريد به الكثرة ، فهو شامل لكلّ فزع يكون في القيامة ، وإن أريد به الواحد ، فهو المشار إليه بقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ). وقال ابن السّائب : إذا أطبقت النّار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها ، وأهل الجنّة آمنون من ذلك الفزع. قوله تعالى : (وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قال المفسرون : هي الشرك (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ) يقال كببت الرجل : إذا القيته لوجهه ؛ وتقول لهم خزنة جهنم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إلاجزاءَ ما كنتم تعملون في الدنيا من الشرك.
(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))
قوله تعالى : (إِنَّمَا أُمِرْتُ) المعنى : قل للمشركين : (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : «التي حرمها» وهي مكة ، وتحريمها : تعظيم حرمتها بالمنع من القتل فيها والسبي والكف عن صيدها وشجرها ، (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) لأنه خالقه ومالكه ، (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : المخلصين لله بالتوحيد ، (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) عليكم (فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي : فله ثواب اهتدائه (وَمَن ضَلَّ) أي : أخطا طريق الهدى (فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ) أي : ليس على الا البلاغ ، وذكر المفسرون أن هذا منسوخ بأية السيف. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي : قل لمن ضَل : الحمدلله الذي وفقنا لقبول ما امتنعتم منه (سَيُرِيكُمْ ـ ءايته) ومتى يريهم؟ فيه قولان : أحدهما : في الدنيا ثم فيها ثلاثة أقوال : أحدها : أن منها الدخان وانشقاق القمر ، وقد أراهم ذلك ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : سيريكم آياته فتعرفونها في السماء وفي انفسكم ، وفي الرّزق ، قاله مجاهد ، والثالث : القتل ببدر ، قاله مقاتل. والثاني : سيريكم آياته في الأخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا ، قاله الحسن. قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : «تعملون» بالتاء ، على معنى : قل لهم. وقرأ الباقون بالياء ، على أنه وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم. والله أعلم بالصّواب.
__________________
(١) الأنبياء : ١٠٣.
(٢) لقمان : ١٩.