هود (١) ، وأقصى المدينة : آخرها وأبعدها ، ويسعى ، بمعنى يسرع. قال ابن عباس : وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون ، وسيأتي الخلاف في اسمه في سورة المؤمن (٢). فأمّا الملأ ، فهم الوجوه من الناس والأشراف. وفي قوله : (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) ثلاثة أقوال : أحدها : يتشاورون فيك ليقتلوك ، قاله أبو عبيدة. والثاني : يهمّون بك ، قاله ابن قتيبة. والثالث : يأمر بعضهم بعضا بقتلك ، قاله الزّجّاج.
(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
قوله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها) أي : من مصر (خائِفاً) وقد مضى تفسيره (٣).
قوله تعالى : (نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني المشركين أهل مصر. (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) قال ابن قتيبة : أي : تجاه مدين ونحوها ، وأصله : اللّقاء ، وزيدت فيه التاء ، قال الشاعر :
فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل (٤)
أي : عن لقائك. قال المفسّرون : خرج خائفا بغير زاد ولا ظهر ، وكان بين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام ، ولم يكن له بالطريق علم ، ف (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) أي : قصده. قال ابن عباس : لم يكن له علم بالطريق إلّا حسن ظنّه بربّه. وقال السّدّيّ : بعث الله تعالى له ملكا فدلّه ، قالوا : ولم يكن له في طريقه طعام إلّا ورق الشّجر ، فورد ماء مدين وخضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال ؛ والأمّة ؛ الجماعة ، وهم الرّعاة ، (يَسْقُونَ) مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي : من سوى الأمّة (امْرَأَتَيْنِ) وهم ابنتا شعيب ؛ قال مقاتل : واسم الكبرى : صبورا ، والصّغرى : عبرا (تَذُودانِ) قال ابن قتيبة : أي : تكفّان غنمهما ، فحذف الغنم اختصارا. قال المفسّرون : إنما فعلتا ذلك ليفرغ الناس وتخلو لهما البئر ، قال موسى : (ما خَطْبُكُما) أي : ما شأنكما لا تسقيان؟! (قالَتا لا نَسْقِي) وقرأ ابن مسعود وأبو الجوزاء وابن يعمر وابن السّميفع : «لا نسقي» برفع النون (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر : «يصدر» بفتح الياء وضمّ الدال ، أي : حتى يرجع الرّعاء. وقرأ الباقون : «يصدر» بضمّ
__________________
(١) هود : ٥٩.
(٢) غافر : ٢٨.
(٣) القصص : ١٨.
(٤) هو عجز بيت للراعي النميري وصدره : أملت خيرك هل تأتي مواعده