ثَمانِيَ حِجَجٍ) قال الفراء : تأجرني وتأجرني ، بضمّ الجيم وكسرها ، لغتان. قال الزّجّاج : والمعنى : تكون أجيرا لي ثماني سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) أي : فذلك تفضّل منك ، وليس بواجب عليك.
قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) أي : في العشر. (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : في حسن الصّحبة والوفاء بما قلت. (قالَ) له موسى (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أي : ذلك الذي وصفت وشرطت عليّ فلك ، وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي ، فالأمر كذلك بيننا. وتمّ الكلام ها هنا. ثم قال : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) يعني : الثّماني والعشر. قال أبو عبيدة : «ما» زائدة. قوله تعالى : (قَضَيْتُ) أي : أتممت (فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) أي : لا سبيل عليّ ؛ والمعنى : لا تعتد عليّ بأن تلزمني أكثر منه (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) قال الزّجّاج : أي : والله شاهدنا على ما عقد بعضنا على بعض. واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال (١) :
(١٠٧٥) أحدها : أنه شعيب نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى هذا أكثر أهل التفسير. وفيه أثر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدلّ عليه ، وبه قال وهب ، ومقاتل.
والثاني : أنه صاحب مدين ، واسمه يثربي ، قاله ابن عباس. والثالث : رجل من قوم شعيب ، قاله الحسن. والرابع : أنه يثرون ابن أخي شعيب ، رواه عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وبه قال ابن السّائب. واختلفوا في التي تزوّجها موسى من الابنتين على قولين : أحدهما : الصّغرى ، روي عن ابن عباس. والثاني : الكبرى ، قاله مقاتل. وفي اسم التي تزوّجها ثلاثة أقوال : أحدها : صفوريا ، حكاه أبو عمران الجوني. والثاني : صفورة ، قاله شعيب الجبائي. الثالث : صبورا ، قاله مقاتل.
(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي
____________________________________
(١٠٧٥) واه. أخرجه البزار ٢٨٢٨ والطبراني ٦٣٦٤ من حديث سلمة بن سعد ، وإسناده واه.
ـ قال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٥١ : فيه من لم أعرفهم.
__________________
(١) قال الطبري في «تفسيره» ١٠ / ٦١ : وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخبر ، ولا خبر بذلك تجب حجته ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ ... قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ). وقال ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٤٧٦ : ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه القران ها هنا ، وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى ، لم يصح إسنادها ، والموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه يثرون.