(١١٠٢) وقال ابن السّائب ومقاتل : نزلت في النّضر بن الحارث ، وذلك أنه كان تاجرا إلى فارس ، فكان يشتري أخبار الأعاجم فيحدّث بها قريشا ويقول لهم : إنّ محمّدا يحدّثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدّثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فنزلت فيه هذه الآية.
وفي المراد بلهو الحديث أربعة أقوال : أحدها : أنه الغناء ، كان ابن مسعود يقول : هو الغناء والذي لا إله إلّا هو ، يردّدها ثلاث مرات ؛ وبهذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : اللهو : الطّبل. والثاني : أنه ما ألهى عن الله تعالى : قاله الحسن ، وعنه مثل القول الأول. والثالث : أنه الشّرك ، قاله الضّحّاك. والرابع : الباطل ، قاله عطاء. وفي معنى «يشتري» قولان : أحدهما : يشتري بماله ؛ وحديث النّضر يعضده. والثاني : يختار ويستحبّ ، قاله قتادة ، ومطر. وإنما قيل لهذه الأشياء : لهو الحديث ، لأنها تلهي عن ذكر الله تعالى.
قوله تعالى : «ليضلّ» المعنى : ليصير أمره إلى الضّلال ، وقد بيّنّا هذا الحرف في الحجّ (١). وقرأ أبو رزين ، والحسن ، وطلحة بن مصرّف ، والأعمش ، وأبو جعفر : (لِيُضِلَ) بضمّ الياء ، والمعنى : ليضلّ غيره ، وإذا أضلّ غيره فقد ضلّ هو أيضا.
قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَها) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «ويتّخذها» برفع الذال. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : بنصب الذال. قال أبو عليّ : من نصب عطف على «ليضلّ» «ويتّخذ» ، ومن رفع عطفه على «من يشتري» «ويتخذ». وفي المشار إليه بقوله تعالى : (وَيَتَّخِذَها) قولان : أحدهما : أنها الآيات. والثاني : السّبيل. وما بعد هذا مفسّر في مواضع قد تقدّمت (٢) إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) وفيها قولان (٣) : أحدهما : الفهم والعقل ، قاله الأكثرون. والثاني : النّبوّة. وقد اختلف في نبوّته على قولين : أحدهما : أنه كان حكيما ولم يكن نبيّا ، قاله سعيد بن المسيّب ، ومجاهد ، وقتادة. والثاني : أنه كان نبيّا ، قاله الشّعبيّ ، وعكرمة ، والسّدّيّ. هكذا حكاه عنهم الواحدي ، ولا يعرف ، إلّا أنّ هذا ممّا انفرد به عكرمة ؛ والقول الأول أصحّ. وفي صناعته ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان خيّاطا ، قاله سعيد بن المسيّب. والثاني : راعيا ، قاله ابن زيد. والثالث : نجّارا ، قاله خالد الرّبعي. فأمّا صفته ، فقال ابن عباس ؛ كان عبدا حبشيّا. وقال سعيد بن المسيّب : كان لقمان أسود من سودان مصر. وقال مجاهد : كان غليظ الشّفتين مشقّق
____________________________________
(١١٠٢) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٧٦ عن مقاتل والكلبي بدون إسناد. وكلاهما متهم بالكذب.
__________________
(١) الحج : ٩.
(٢) البقرة : ٢٥ ، الأنعام : ٢٥ ، الرعد : ١٥ ، النحل : ١٥ ، الإسراء : ٤٦ ، الشعراء : ٧.
(٣) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٥٤٨ : اختلف السلف في لقمان عليهالسلام هل كان نبيا ، أو عبد صالحا من غير نبوة؟ على قولين والأكثرون على القول بأن لقمان كان من سودان مصر ، ذا مشافر ، أعطاه الله الحكمة ومنحه النبوة. وقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) أي : الفهم والعلم والتعبير ، (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) أي أمرناه أن يشكر لله ـ عزوجل ـ على ما آتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل الذي خصّصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه.