قبيح. وقال المبرّد : تأويله : أنّ الجهر بالصوت ليس بمحمود ، وأنه داخل في باب الصوت المنكر ، وقال ابن قتيبة : عرّفه قبح رفع الأصوات في المخاطبة والملاحاة (١) بقبح أصوات الحمير ، لأنها عالية. قال ابن زيد : لو كان رفع الصوت خيرا ، ما جعله الله عزوجل للحمير. وقال سفيان الثّوري : صياح كلّ شيء تسبيح لله عزوجل ، إلّا الحمار ، فإنه ينهق بلا فائدة. فإن قيل : كيف قال : «لصوت» ولم يقل : «لأصوات الحمير»؟ فالجواب : أنّ لكلّ جنس صوتا ، فكأنه قال : إنّ أنكر أصوات الأجناس صوت هذا الجنس.
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١))
قوله تعالى : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ) أي : أوسع وأكمل (نِعَمَهُ) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : «نعمه» ، أرادوا جميع ما أنعم به. وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ؛ وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «نعمة» على التوحيد. قال الزّجّاج : هو ما أعطاهم من توحيده.
(١١٠٣) وروى الضّحّاك عن ابن عباس ، قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله! ما هذه النّعمة الظاهرة والباطنة؟ فقال : «أمّا ما ظهر : فالإسلام ، وما سوّى الله من خلقك ، وما أفضل عليك من الرّزق. وأمّا ما بطن : فستر مساوئ عملك ، ولم يفضحك» وقال الضّحّاك : الباطنة : المعرفة ، والظّاهرة : حسن الصّوت ، وامتداد القامة ، وتسوية الأعضاء.
قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ) هو متروك الجواب ، تقديره فيتبعونه؟.
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧))
قوله تعالى : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ) وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، وأبو العالية ، وقتادة : «ومن
____________________________________
(١١٠٣) باطل. لا أصل له في المرفوع. أخرجه البيهقي في «الشعب» ٤٥٠٥ والديلمي ٧١٦٧ من حديث ابن عباس ، وإسناده ضعيف جدا ، له ثلاث علل : عمار بن عمرو الجنبي ضعيف وجويبر بن سعيد متروك متهم بالوضع ، والضحاك لم يلق ابن عباس. والمتن باطل لا أصل له ، وحسبه أن يكون موقوفا.
وانظر «تفسير الشوكاني» ١٩٣٠ بتخريجنا.
__________________
(١) الملاحاة : المخاصمة والمقاولة.