يسلّم» بفتح السين وتشديد اللام. وذكر المفسّرون أن قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) منسوخ بآية السّيف ، ولا يصحّ ، لأنه تسلية عن الحزن ، وذلك لا ينافي الأمر بالقتال. وما بعد هذا قد تقدّم تفسير ألفاظه في مواضع (١) إلى قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) وفي سبب نزولها قولان :
(١١٠٤) أحدهما : أنّ أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أرأيت قول الله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) إيّانا يريد ، أم قومك؟ فقال : «كلّا» ، فقالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنّا قد أوتينا التّوراة فيها تبيان كلّ شيء؟ فقال : «إنها في علم الله قليل» ، فنزلت هذه الآية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنّ المشركين قالوا في القرآن : إنّما هو كلام يوشك أن ينفد وينقطع ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة.
ومعنى الآية : لو كانت شجر الأرض أقلاما ، وكان البحر ومعه سبعة أبحر مدادا ـ وفي الكلام محذوف تقديره : فكتب بهذه الأقلام وهذه البحور كلمات الله عزوجل ـ لتكسّرت الأقلام ونفدت البحور ، ولم تنفد كلمات الله ، أي : لم تنقطع. فأما قوله تعالى : (وَالْبَحْرُ) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «والبحر» بالرفع ، ونصبه أبو عمرو. وقال الزّجّاج : من قرأ : «والبحر» بالنّصب ، فهو عطف على «ما» ؛ المعنى : ولو أنّ ما في الأرض ، ولو أنّ البحر ؛ والرفع حسن على معنى : والبحر هذه حاله. قال اليزيدي : ومعنى «يمدّه من بعده» : يزيد فيه ؛ يقال : مدّ قدرك ، أي : زد في مائها ، وكذلك قال ابن قتيبة : «يمدّه» من المداد ، لا من الإمداد ، يقال : مددت دواتي بالمداد ، وأمددته بالمال والرجال.
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))
قوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ).
(١١٠٥) سبب نزولها أنّ أبيّ بن خلف في آخرين من قريش قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّ الله عزوجل خلقنا أطوارا : نطفة ، علقة ، مضغة ، عظاما ، لحما ، ثم تزعم أنّا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة؟! فنزلت هذه الآية.
____________________________________
(١١٠٤) أخرجه الطبري ٢٨١٤٨ بنحوه بسند مجهول عن ابن عباس. و ٢٨٤٠١ بنحوه عن عكرمة مرسلا و ٢٨١٥٠ عن عطاء بن يسار مرسلا أيضا ، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها والله أعلم.
(١١٠٥) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ساقط الرواية ، فهذا خبر لا شيء.
__________________
(١) البقرة : ٢٦٧ ، وهود : ٤٨ ، والعنكبوت : ٦١.
(٢) الإسراء : ٨٥.