ومعناها : ما خلقكم أيّها الناس جميعا في القدرة إلّا كخلق نفس واحدة ، ولا بعثكم جميعا في القدرة إلّا كبعث نفس واحدة ، قاله مقاتل. وما بعد هذا قد تقدّم تفسيره (١) إلى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ) تجري في البحر بنعمة الله ، قال ابن عباس : من نعمه جريان الفلك (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) أي : ليريكم من صنعه وعجائبه في البحر ، وابتغاء الرّزق (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) قال مقاتل : أي : لكلّ صبور على أمر الله عزوجل (شَكُورٍ) في نعمه.
وقوله تعالى : (وَإِذا غَشِيَهُمْ) يعني الكفّار ؛ وقال بعضهم : هو عامّ في الكفّار والمسلمين (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) قال ابن قتيبة : وهي جمع ظلّة ، يراد أنّ بعضه فوق بعض ، فله سواد من كثرته.
قوله تعالى : (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وقد سبق شرح هذا (٢) ، والمعنى : فإنهم لا يذكرون أصنامهم في شدائدهم إنما يذكرون الله وحده.
(١١٠٦) وجاء في الحديث أنّ عكرمة بن أبي جهل لمّا هرب يوم الفتح من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف ، فقال أهل السفينة : أخلصوا ، فإنّ آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ها هنا ، فقال عكرمة : ما هذا الذي تقولون ، فقالوا : هذا مكان لا ينفع فيه إلّا الله تعالى : فقال : هذا إله محمّد الذي كان يدعونا إليه ، لئن لم ينجني في البحر إلّا الإخلاص ما ينجيني في البرّ غيره ، ارجعوا بنا ، فرجع فأسلم.
قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : مؤمن ، قاله الحسن. والثاني : مقتصد في قوله ، وهو كافر ، قاله مجاهد. يعني أنه يعترف بأنّ الله تعالى وحده القادر على إنجائه وإن كان مضمرا للشّرك. والثالث : أنه العادل في الوفاء بما عاهد الله عليه في البحر من التّوحيد ، قاله مقاتل. فأمّا «الختّار» فقال الحسن : هو الغدّار. قال ابن قتيبة : الختر : أقبح الغدر وأشدّه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) قال المفسّرون : هذا خطاب لكفّار مكّة. وقوله تعالى : (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي : لا يقضي عنه شيئا من جنايته ومظالمه. قال مقاتل : وهذا يعني به
____________________________________
(١١٠٦) أخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٤٧ من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح هرب عكرمة بن أبي جهل فركب البحر ... فذكره. وكان قد أخرجه ٣ / ٤٤٦ من طريق أسباط بن نصر قال : زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس إلا أربعة نفر ، وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ، عكرمة ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي اليسر ؛ فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم بها ...
__________________
(١) آل عمران : ٢٧ ، الرعد : ٢ ، الحج : ٦٢.
(٢) يونس : ٢٢.