الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢))
قوله تعالى : (وَقالُوا) يعني منكري البعث (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) وقرأ عليّ بن أبي طالب وعليّ بن الحسين وجعفر بن محمّد وأبو رجاء وأبو مجلز وحميد وطلحة : «ضللنا» بضاد معجمة وكسر اللام الأولى. قال الفرّاء : ضللنا وضللنا لغتان ، والمعنى : إذا صارت عظامنا ولحومنا ترابا كالأرض ؛ تقول : ضلّ الماء في اللبن ، وضلّ الشيء في الشيء : إذا أخفاه وغلب عليه. وقرأ أبو نهيك وأبو المتوكّل وأبو الجوزاء وأبو حيوة وابن أبي عبلة : «ضلّلنا» بضمّ الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى وكسرها. وقرأ الحسن وقتادة ومعاذ القارئ : «صللنا» بصاد غير معجمة مفتوحة ، وذكر لها الزّجّاج معنيين : أحدهما : أنتنّا وتغيّرنا وتغيّرت صورنا ؛ يقال : صلّ اللحم وأصلّ : إذا أنتن وتغيّر. والثاني : صرنا من جنس الصّلّة ، وهي الأرض اليابسة.
قوله تعالى : (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)؟! هذا استفهام إنكار. قوله تعالى : (الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أي : بقبض أرواحكم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) يوم الجزاء. ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) أي : مطأطئوها حياء وندما ، (رَبَّنا) فيه إضمار «يقولون ربّنا» (أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) أي : علمنا صحّة ما كنّا به مكذّبين (فَارْجِعْنا) إلى الدنيا ؛ وجواب «لو» متروك ، تقديره : لو رأيت حالهم لرأيت ما يعتبر به ، ولشاهدت العجب.
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧))
قوله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) أي : وجب وسبق ؛ والقول هو قوله تعالى لإبليس : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ). قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي : من كفّار الفريقين. (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) قال مقاتل : إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة : فذوقوا العذاب. وقال غيره : إذا اصطرخوا فيها قيل لهم : ذوقوا بما نسيتم ، أي بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا ، (إِنَّا نَسِيناكُمْ) أي : تركناكم من الرّحمة.
قوله تعالى : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) أي : وعظوا بها (خَرُّوا سُجَّداً) أي : سقطوا على وجوههم ساجدين. وقيل : المعنى : إنّما يؤمن بفرائضنا من الصّلوات الخمس الذين إذا ذكّروا بها بالأذان والإقامة خرّوا سجّدا.
قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال : أحدها : أنها نزلت في المتهجّدين بالليل.