أبيرق. وما بعد هذا قد سبق بيانه (١) إلى قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وفي سبب نزولها قولان :
(١١١٧) أحدهما : أنّ المنافقين كانوا يقولون : لمحمّد قلبان ، قلب معنا ، وقلب مع أصحابه ، فأكذبهم الله تعالى ، ونزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس.
(١١١٨) والثاني : أنها نزلت في جميل بن معمر الفهري ـ كذا نسبه جماعة من المفسّرين. وقال الفرّاء : جميل بن أسد ، ويكنّى : أبا معمر. وقال مقاتل : أبو معمر بن أنس الفهري ـ وكان لبيبا حافظا لما سمع ، فقالت قريش : ما حفظ هذه الأشياء إلّا وله قلبان في جوفه ، وكان يقول : إنّ لي قلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد ، فلمّا كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر ، تلقّاه أبو سفيان وهو معلّق إحدى نعليه بيده ، والأخرى في رجله ، فقال له : ما حال الناس؟ قال : انهزموا ، قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال : ما شعرت إلّا أنهما في رجليّ ، فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده ؛ وهذا قول جماعة من المفسّرين. وقد قال الزّهري في هذا قولا عجيبا ، قال : بلغنا أنّ ذلك في زيد بن حارثة ضرب له مثل يقول : ليس ابن رجل آخر ابنك.
قال الأخفش : «من» زائدة في قوله تعالى : «من قلبين». قال الزّجّاج : أكذب الله عزوجل هذا الرجل الذي قال : لي قلبان ، ثم قرّر بهذا الكلام ما يقوله المشركون وغيرهم ممّا لا حقيقة له ، فقال : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) فأعلم الله تعالى أنّ الزوجة لا تكون أمّا ، وكانت الجاهلية تطلق بهذا الكلام ، وهو أن يقول لها : أنت عليّ كظهر أمّي ، وكذلك قوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) أي : ما جعل من تدعونه ابنا ـ وليس بولد في الحقيقة ـ ابنا (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي : نسب من لا حقيقة لنسبه قول بالفم لا حقيقة تحته (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) أي : لا يجعل غير الابن ابنا (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أي : للسّبيل المستقيم. وذكر المفسّرون أنّ قوله تعالى : «وما جعل أزواجكم اللّائي تظاهرون منهنّ» نزلت في أوس بن الصّامت وامرأته خولة بنت ثعلبة. ومعنى الكلام : ما جعل أزواجكم اللّائي تظاهرون منهنّ كأمّهاتكم في التّحريم ، إنّما قولكم معصية ، وفيه كفّارة ، وأزواجكم حلال لكم ؛ وسنشرح هذا في سورة المجادلة إن شاء الله. وذكروا أنّ قوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ).
____________________________________
(١١١٧) ضعيف. أخرجه الترمذي ٣١٩٩ وأحمد ١ / ١٦٨ والحاكم ٢ / ٤١٥ والطبري ٢٨٣١٨ من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس به ، وإسناده ضعيف لضعف قابوس. قال الترمذي : حديث حسن! وقال الحاكم : صحيح الإسناد! وتعقبه الذهبي بقوله : قابوس ضعيف. وانظر «فتح القدير» ١٩٥٦ و «أحكام القرآن» ١٧٥٠ بتخريجنا ، والله الموفق.
(١١١٨) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٨٩ بتمامه بدون إسناد. وورد بنحوه عند الطبري ٢٨٣٢١ وعبد الرزاق ٢٣١١ عن قتادة مرسلا. وورد أيضا من مرسل عكرمة عند الطبري ٢٨٣٢٣. وعن ابن عباس أخرجه الطبري ٢٨٣١٩ وفيه مجاهيل ، وفيه أيضا عطية العوفي ، وهو واه. الخلاصة : هو خبر ضعيف ، فهذه الروايات واهية لا تقوم بها حجة.
__________________
(١) النساء : ٨١.