والمعنى : لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز ، وذلك أنّ الله تعالى لمّا نسخ التّوارث بالحلف والهجرة ، أباح الوصيّة للمعاقدين ، فللإنسان أن يوصي لمن يتولّاه بما أحبّ من ثلثه. فالمعروف ها هنا : الوصيّة. قوله تعالى : (كانَ ذلِكَ) يعني نسخ الميراث بالهجرة وردّه إلى ذوي الأرحام (فِي الْكِتابِ) يعني اللّوح المحفوظ (مَسْطُوراً) أي : مكتوبا.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩))
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا) المعنى : واذكر إذ أخذنا (مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) أي : عهدهم ؛ وفيه قولان : أحدهما : أخذ ميثاق النّبيّين : أن يصدّق بعضهم بعضا ، قاله قتادة. والثاني : أن يعبدوا الله تعالى ويدعوا إلى عبادته ، ويصدّق بعضهم بعضا ، وأن ينصحوا لقومهم ، قاله مقاتل. وهذا الميثاق أخذ منهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذّرّ. قال أبيّ بن كعب : لمّا أخذ ميثاق الخلق خصّ النّبيّين بميثاق آخر.
فإن قيل : لم خصّ الأنبياء الخمسة بالذّكر دون غيرهم من الأنبياء؟ فالجواب : أنه نبّه بذلك على فضلهم ، لأنهم أصحاب الكتب والشرائع ؛ وقدّم نبيّنا صلىاللهعليهوسلم بيانا لفضله عليهم (١).
(١١٢١) قال قتادة : كان نبيّنا أوّل النّبيّين في الخلق.
____________________________________
(١١٢١) باطل ، أخرجه الطبري ٢٨٣٥٣ عن أبي هلال عن قتادة من قوله وهذا باطل. وأخرجه الطبري ٢٨٣٥٢ وابن سعد في «الطبقات» ١ / ١١٩ عن قتادة ، مرسلا والمرسل من قسم الضعيف ، وله علة ثانية : سعيد بن أبي عروبة ، تغير بأخرة. وعلة ثالثة : فيه عطاء بن عبد الوهّاب الخفاف وثقه قوم وضعفه أحمد بقوله : ضعيف مضطرب الحديث.
وورد من حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه الديلمي ٤٨٥٠ وأبو نعيم في «الدلائل» ٣ من حديث أبي هريرة ، وإسناده ضعيف جدا ، فيه سعيد بن بشير ، وهو ضعيف منكر الحديث ، وساق الذهبي هذا الحديث في ترجمته في «الميزان» ٣١٤٣ على أنه من منكراته. وله علة ثانية : وهي أن الحس لم يسمع من أبي هريرة ، فالإسناد ضعيف جدا ، لا شيء. وأما المتن فباطل. بل أول من خلق من البشر ، آدم عليهالسلام ، هذا وقد خلط بعضهم هذا الحديث بحديث «كنت نبيا ، وآدم بين الروح والجسد». وهذا الحديث الأخير صحيح. أخرجه أحمد ٥ / ٥٩ والحاكم ٢ / ٦٠٩ والطبراني ٢ / ٣٥٣ والآجري في «الشريعة» ٩٥٦ من طرق عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورجاله رجال مسلم. وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٢٢٢ : رجاله رجال الصحيح. ولهذا الحديث شواهد كثيرة ، لكنه لا يثبت أولية الخلق إنما فيه إثبات ، أنه مكتوب في اللوح المحفوظ وفي علم الله تعالى ، فتنبّه ، فإن هذا الحديث الأخير ، يخالف الأول ويفارقه ، وإنما خلق وولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم ولدته أمه آمنة كما هو معلوم.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٥٧٩ : يقول تعالى مخبرا عن أولي العزم الخمسة وبقية الأنبياء : أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله وإبلاغ رسالته ، والتعاون والتناصر والاتفاق ، فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم ، ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة ، وهم أولو العزم ، وهو من باب عطف الخاص على العام ، وقد صرح بذكرهم نصا في هذه الآية ، وبدأ في هذه الآية بالخاتم ، لشرفه ـ صلوات الله عليه ـ ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم.