الصّحابة : هنيئا لك يا رسول الله ، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) قد سبق في أوّل السّورة. قوله تعالى : (وَدَعْ أَذاهُمْ) قال العلماء : معناه لا تجازهم عليه (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في كفاية شرّهم ؛ وهذا منسوخ بآية السّيف.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩))
قوله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) قال الزّجّاج : معنى «نكحتم» تزوّجتم (١). ومعنى «تمسّوهنّ» تقربوهن. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «تماسّوهنّ» بألف. قوله تعالى : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) أجمع العلماء أنه إذا كان الطّلاق قبل المسيس والخلوة فلا عدّة (٢) ؛ وعندنا أنّ الخلوة توجب العدّة
____________________________________
به. وأخرجه ابن حبان ٣٧١ من طريق سفيان عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) قال : الحديبية. قال أصحابه : هنيئا مريئا فما لنا! فأنزل الله (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قال شعبة : فقدمت الكوفة فحدثت بهذا كله عن قتادة ثم رجعت فذكر له فقال : أما (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) فعن أنس ، وأما هنيئا مريئا فعن عكرمة. وحديث عكرمة أخرجه الطبري ٣١٤٥٧ من طريق شعبة عن قتادة به. وليس فيه سبب نزول الآية في الأحزاب. وقد عزاه السيوطي في «الدر» ٦ / ٦٣ إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه عن عكرمة. وذكره السيوطي في «أسباب النزول» ٩٠٢ وعزاه إلى ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري وفيه سبب نزول الآية في الأحزاب ... وبرقم ٩٠٣ وعزاه إلى البيهقي في «دلائل النبوة» عن الربيع بن أنس بنحوه.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٦١١ : هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة ، منها : إطلاق النكاح على العقد وحده ، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.
وقوله (الْمُؤْمِناتِ) خرج مخرج الغالب ، إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله ٣ / ٦١٢ : وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء إذا طلّقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت ، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفّى عنها زوجها فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا.
وقال الإمام الموفق في «المغني» ٩ / ٥٣٣ : فأما الخلوة بالمرأة ، فالصحيح أنها لا تنشر حرمة. وقد روي عن أحمد : إذا خلا بالمرأة ، وجب الصّداق والعدة ، ولا يحل له أن يتزوج أمها أو ابنتها. قال القاضي : هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة الجماع ، فيخرّج كلامه بقوله : لا يحرّمه شيء من ذلك إلا الجماع. وفي رواية عن أحمد. فأما تحريم أمها فبمجرد العقد ، وأما تحريم ابنتها فبالدخول وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) فأما مع خلّوه من ذلك ، فلا يؤثر في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى. وأما الخلوة بأجنبية. فلا تنشر تحريما. لا نعلم في ذلك خلافا.
وجاء في «المغني» ١١ / ١٩٧ : العدة تجب على كل من خلا بها زوجها ، وإن لم يمسها. وإن خلا بها ولم يصبها ثم طلّقها ، فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها. وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين ، وزيد ، وابن عمر وأصحاب الرأي والشافعي في القديم. وقال الشافعي في الجديد : لا عدّة عليها ، لهذه الآية وهذا نص. ولأنها مطلقة لم تمس ، فأشبهت من لم يخل بها. ولنا ، إجماع الصحابة. فإنه من أرخى سترا أو أغلق بابا ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة. وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر فصارت إجماعا. وقد روي عن أحمد ، أن الصداق لا يكمل مع وجود المانع ، فكذلك يخرج في العدة. لأن الخلوة إنما أقيمت مقام المسيس ، لأنها مظنة له ، ومع المانع لا تتحقق المظنة. ولأن العدة تجب لبراءة الرحم. وأجمع أهل العلم على أن عدة الحرة