وتقرّر الصّداق ، خلافا للشّافعيّ رضي الله عنه. قوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَ) المراد به من لم يسمّ لها مهرا ، لقوله تعالى : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (١) ، وقد بيّنّا المتعة هنالك. وكان سعيد بن المسيّب وقتادة يقولان : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٢). قوله تعالى : (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي : من غير إضرار. وقال قتادة : هو طلاقها طاهرا من غير جماع. وقال القاضي أبو يعلى : الأظهر أنّ هذا التسريح ليس بطلاق ، لأنه قد ذكر الطّلاق ، وإنما هو بيان أنّه لا سبيل له عليها ، وأنّ عليه تخليتها من يده وحباله.
فصل : واختلف العلماء فيمن قال : إن تزوّجت فلانة فهي طالق ، ثم تزوّجها ؛ فعندنا أنها لا تطلق ، وهو قول ابن عباس ، وعائشة ، والشّافعيّ ، واستدلّ أصحابنا بهذه الآية ، وأنه جعل الطّلاق بعد النّكاح. وقال سماك بن الفضل : النّكاح عقدة ، والطّلاق يحلّها ، فكيف يحلّ عقدة لم تعقد؟! فجعل بهذه الكلمة قاضيا على «صنعاء». وقال أبو حنيفة : ينعقد الطّلاق ، فإذا وجد النّكاح وقع. وقال مالك : ينعقد ذلك في خصوص النساء ، وهو إذا كان في امرأة بعينها ، ولا ينعقد في عمومهنّ. فأما إذا قال : إن ملكت فلانا فهو حرّ ، ففيه عن أحمد روايتان (٣).
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ
__________________
المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر ، مدخولا بها أو غير مدخول بها ، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ.
(١) البقرة : ٢٣٦.
(٢) البقرة : ٢٣٧.
(٣) قال الإمام الموفق في «المغني» ٣ / ٤٨٨ : وإذا قال : إن تزوجت فلانة ، فهي طالق. لم تطلق إن تزوج بها ، وإن قال : إن ملكت فلانا فهو حرّ ، فملكه صار حرا واختلفت الرواية عن أحمد ، فعنه : لا يقع طلاق. روي هذا عن ابن عباس. وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وعروة ، وجابر بن زيد ، والشافعي ، قال : وهو قول أكثر أهل العلم لما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك ، ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك». قال الترمذي : وهذا حديث حسن.
قال أحمد : هذا عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعدة من الصحابة. ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم ، فيكون إجماعا.
والرواية الثانية عن أحمد : أنه يصح في العتق ولا يصح في الطلاق.
ـ وقال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ١٣ / ١٨٠ : استدل بعض العلماء بقوله تعالى : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) وبمهلة ثمّ على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح ، وأن من طلّق المرأة قبل نكاحها وإن عينها ، فإن ذلك لا يلزمه.
وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام. سمى الإمام البخاري منهم اثنين وعشرين. وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا طلاق قبل نكاح» ومعناه : أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح. وقال طائفة من أهل العلم : إن طلاق المعيّنة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح ، منهم مالك وجميع أصحابه ، وجمع عظيم من علماء الأمة. وإن قال : كل امرأة أتزوجها طالق وكل عبد أشتريه حرّ ، لم يلزمه شيء.