أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢))
قوله تعالى : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلّها له ، فقال : (أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) أي : مهورهنّ ، وهنّ اللّواتي تزوّجتهنّ بصداق (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) يعني الجواري (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) أي : ردّه عليك من الكفّار ، كصفيّة وجويرية ، فإنه أعتقهما وتزوّجهما (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ) يعني نساء قريش (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) يعني نساء بني زهرة (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) إلى المدينة. قال القاضي أبو يعلى : وظاهر هذا يدلّ على أنّ من لم تهاجر معه من النساء لم يحلّ له نكاحها.
(١١٥٢) وقالت أمّ هانئ : خطبني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاعتذرت إليه بعذر ، ثم أنزل الله تعالى : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله تعالى : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) ، قالت : فلم أكن لأحلّ له ، لأنّي لم أهاجر معه ، كنت من الطّلقاء ؛ وهذا يدلّ من مذهبها أنّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر من لم تهاجر.
وذكر بعض المفسّرين : أنّ شرط الهجرة في التّحليل منسوخ ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أنّ الهجرة شرط في إحلال النساء له على الإطلاق. والثاني : أنه شرط في إحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيّات.
قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) أي : وأحللنا لك امرأة مؤمنة (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) لك ، (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) أي : إن آثر نكاحها (خالِصَةً لَكَ) أي : خاصّة. قال الزّجّاج : وإنما قال : (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) ، ولم يقل : «لك» ، لأنه لو قال : «لك» ، جاز أن يتوهّم أنّ ذلك يجوز لغير رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما جاز في بنات العمّ وبنات العمّات. و «خالصة» منصوب على الحال. وللمفسّرين في معنى «خالصة» ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ المرأة إذا وهبت له نفسها ، لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين ، قاله أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيّب. والثاني : أنّ له أن ينكحها بلا وليّ ولا مهر دون غيره ، قاله
____________________________________
(١١٥٢) صدره صحيح ، له شواهد ، وعجزه ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٢١٤ وابن سعد ٨ / ١٢١ والحاكم ٢ / ١٨٥ ـ ٢٢٤ و ٤ / ٥٣ والطبري ٢٨٥٤٦ والبيهقي ٧ / ٥٤ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٣ / ٦١٣ من طرق عن إسرائيل عن السدي عن أبي صالح عن أم هانئ به. وإسناده ضعيف جدا لأجل أبي صالح واسمه باذام ، فقد ضعفه غير واحد ، واتهمه بعضهم بالكذب. وصدر الحديث محفوظ ، وهو كون النبي صلىاللهعليهوسلم خطبها ، والوهن فقط في ذكره الآية وكلام أم هانئ عقب الحديث ، حيث تفرّد بذلك أبو صالح. والحديث ضعفه ابن العربي جدا ، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي : حسن صحيح!! قلت : وصدره محفوظ ، أخرجه مسلم ٢٥٢٧ وعبد الرزاق ٢٠٦٠٣ وأحمد ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٥ وابن حبان ٦٢٦٨ من طريق معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب ، فقالت : يا رسول الله ، إني قد كبرت ، ولي عيال ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده». وورد من مرسل الشعبي أخرجه ابن سعد ٨ / ١٢٠ ، وكرره من مرسل أبي نوفل.
الخلاصة : تبين من ذلك أن صدر الحديث محفوظ ، والوهن فقط في عجزه. ولم يفرق الألباني في ذلك حيث أورد الحديث في «ضعيف سنن الترمذي» ٦٣٠ ، وقال : إسناده ضعيف جدا؟!!