نبيّ الله ، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو رزين.
وفي معنى الآية أربعة أقوال (١) : أحدها : تطلّق من تشاء من نسائك ، وتمسك من تشاء من نسائك ، قاله ابن عباس. والثاني : تترك نكاح من تشاء ، وتنكح من نساء أمّتك من تشاء ، قاله الحسن. والثالث : تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق ، وتأتي من تشاء فلا تعزلها. قاله مجاهد. والرابع : تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهنّ ، وتترك من تشاء ، قاله الشّعبيّ ، وعكرمة. وأكثر العلماء على أنّ هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتّسوية بينهنّ. غير أنه كان يسوّي بينهن. وقال الزّهري : ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرجأ منهنّ أحدا ، ولقد آواهنّ كلّهنّ حتى مات.
(١١٥٨) وقال أبو رزين : آوى عائشة ، وأمّ سلمة ، وحفصة ، وزينب ، وكان قسمه من نفسه وماله فيهنّ سواء. وأرجأ سودة ، وجويريّة ، وصفيّة ، وأمّ حبيبة ، وميمونة ، وكان يقسم لهنّ ما شاء. وكان أراد فراقهنّ فقلن : اقسم لنا ما شئت ، ودعنا على حالنا.
(١١٥٩) وقال قوم : إنه أرجأ سودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة ، فتوفّي وهو يقسم لثمان.
قوله تعالى : (وَتُؤْوِي) أي : تضمّ ، (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) أي : إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممّن عزلت من القسمة (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) أي : لا ميل عليك بلوم ولا عتب (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ) أي : ذلك التّخيير الذي خيّرناك في صحبتهنّ أقرب إلى رضاهنّ. والمعنى : إنهنّ إذا علمن أنّ هذا أمر من الله تعالى ، كان أطيب لأنفسهنّ. وقرأ ابن محيصن ، وأبو عمران الجوني : «أن تقرّ» بضمّ التاء وكسر القاف «أعينهنّ» بنصب النون. (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) أي : بما أعطيتهنّ من تقريب وتأخير (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من الميل إلى بعضهنّ. والمعنى : إنما خيّرناك تسهيلا عليك.
قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ) كلّهم قرأ : «لا يحلّ» بالياء ، غير أبي عمرو ، فإنه قرأ بالتاء ؛ والتأنيث ليس بحقيقي ، إنما هو تأنيث الجمع ، فالقراءتان حسنتان. وفي قوله تعالى : (مِنْ بَعْدُ) ثلاثة
____________________________________
به ، وهذا مرسل ، فهو ضعيف. وأخرجه ابن سعد ٨ / ١٥٨ والطحاوي في «المشكل» ١ / ٤٥٦ عن مغيرة عن أبي رزين به أبو رزين هو مسعود بن مالك الأسدي ، ـ أسد خزيمة ـ تابعي كبير.
(١١٥٨) انظر الحديث الذي قبله.
(١١٥٩) لم أره بهذا اللفظ ، وخبر سودة دون ذكر هذه الآية. أخرجه الترمذي ٣٠٤٠ والطبري ١٠٦١٣ من حديث ابن عباس قال : خشيت سودة أن يطلقها النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : لا تطلقني وأمسكني ، واجعل يومي لعائشة ، ففعل فنزلت : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا ...) النساء : ١٢٨. قال الترمذي : هذا حديث غريب اه. وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أبو داود ٢١٣٥ والبيهقي ٧ / ٤٧ وإسناده حسن صححه الحاكم ٢ / ١٨٦ ووافقه الذهبي ، وليس فيه ذكر الآية. وعند أبي داود ٢١٣٨ من حديث عائشة «... وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها».
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٠ / ٣١٥ : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله تعالى ذكره جعل لنبيه أن يرجي من النساء اللواتي أصلهن له من يشاء ، ويؤوي إليه منهن من يشاء ، وذلك أنه لم يحصر معنى الإرجاء والإيواء على المنكوحات اللواتي كن في حباله ، عند ما نزلت الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهن.