إلّا أنّ ابن كثير يثبت الياء في الوصل والوقف ، وأبو عمرو يثبتها في الوصل دون الوقف. قال الزّجّاج : وأكثر القرّاء على الوقف بغير ياء ، وكان الأصل الوقف بالياء ، إلّا أنّ الكسرة تنوب عنها. قال المفسّرون : كانوا يصنعون له القصاع كحياض الإبل ، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها. قوله تعالى : (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي : ثوابت ؛ يقال : رسا يرسو : إذا ثبت. وفي علّة ثبوتها في مكانها قولان : أحدهما : أنّ أثافيها (١) منها ، قاله ابن عباس. والثاني : أنها لا تنزل لعظمها ، قاله ابن قتيبة. قال المفسّرون : وكانت القدور كالجبال لا تحرّك من أماكنها ، يأكل من القدر ألف رجل. قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) المعنى : وقلنا : اعملوا بطاعة الله تعالى ، شكرا له على ما آتاكم.
قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) يعني على سليمان. قال المفسّرون : كانت الإنس تقول : إنّ الجنّ تعلم الغيب الذي يكون في غد ، فوقف سليمان في محرابه يصلّي متوكّئا على عصاه ، فمات ، فمكث كذلك حولا والجنّ تعمل تلك الأعمال الشّاقّة ولا تعلم بموته حتى أكلت الأرض عصا سليمان ، فخرّ فعلموا بموته ، وعلم الإنس أنّ الجنّ لا تعلم الغيب. وقيل : إنّ سليمان سأل الله تعالى أن يعمّي على الجنّ موته ، فأخفاه الله عنهم حولا. وفي سبب سؤاله قولان : أحدهما : لأنّ الجنّ كانوا يقولون للإنس : إنّنا نعلم الغيب ، فأراد تكذيبهم. والثاني : لأنه كان قد بقي من عمارة بيت المقدس بقيّة. فأما (دَابَّةُ الْأَرْضِ) فهي : الأرضة : وقرأ أبو المتوكّل ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : «دابّة الأرض» بفتح الراء. والمنسأة : العصا. قال الزّجّاج : وإنما سمّيت منسأة ، لأنه ينسأ بها ، أي : يطرد ويزجر. قال الفرّاء : أهل الحجاز لا يهمزون المنسأة ، وتميم وفصحاء قيس يهمزونها.
قوله تعالى : (فَلَمَّا خَرَّ) أي : سقط (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) أي : ظهرت وانكشف للناس أنهم لا يعلمون الغيب ، ولو علموا (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) أي : ما عملوا مسخّرين وهو ميت وهم يظنّونه حيّا. وقيل : تبيّنت الجنّ ، أي علمت ، لأنّها كانت تتوهّم باستراقها السّمع أنها تعلم الغيب ، فعلمت حينئذ خطأها في ظنّها. وروى رويس عن يعقوب : «تبيّنت» برفع التاء والباء وكسر الياء.
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١))
__________________
(١) في «اللسان» : الأثف : الحجر الذي توضع عليه القدر ، وجمعها أثافي.