مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني مشركي مكّة (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعنون التّوراة والإنجيل ، وذلك أنّ مؤمني أهل الكتاب قالوا : إنّ صفة محمّد في كتابنا ، فكفر أهل مكّة بكتابهم. ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) يعني مشركي مكّة (مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الآخرة (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) أي : يردّ بعضهم على بعض في الجدال واللّوم (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الأشراف والقادة : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) أي : مصدّقين بتوحيد الله ؛ والمعنى : أنتم منعتمونا عن الإيمان ؛ فأجابهم المتبوعون فقالوا : أنحن صددنكم عن الهدى أي : منعناكم عن الإيمان (بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) به الرّسول؟ (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) بترك الإيمان ـ وفي هذا تنبيه للكفّار على أنّ طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة ـ فردّ عليهم الأتباع فقالوا : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : بل مكركم بنا في الليل والنّهار. قال الفرّاء : وهذا ممّا تتوسّع فيه العرب لوضوح معناه ، كما يقولون : ليله قائم ، ونهاره صائم ، فتضيف الفعل إلى غير الآدميين ، والمعنى لهم. وقال الأخفش : وهذا كقوله تعالى : (مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) (١) ، قال جرير :
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى |
|
ونمت وما ليل المطيّ بنائم (٢) |
وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : «بل مكر» بفتح الكاف والرّاء «الليل والنهار» برفعهما. وقرأ ابن يعمر : «بل مكر» بإسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها ، «الليل والنهار» بنصبهما.
قوله تعالى : (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) وذلك أنهم كانوا يقولون لهم : إنّ ديننا حقّ ومحمّد كذّاب ، (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) وقد سبق بيانه في يونس (٣).
قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) إذا دخلوا جهنّم غلّت أيديهم إلى أعناقهم ، وقالت لهم خزنة جهنّم : هل تجزون إلّا ما كنتم تعملون في الدنيا. قال أبو عبيدة : مجاز «هل» ها هنا مجاز الإيجاب ، وليس باستفهام ؛ والمعنى : ما تجزون إلّا ما كنتم تعملون.
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ
__________________
(١) محمد : ١٣.
(٢) في «اللسان» : السّرى : سير الليل عامته.
(٣) يونس : ٥٤.