«الكواكب» بدلا من الزّينة لأنها هي ، كما تقول : مررت بأبي عبد الله زيد ؛ فالمعنى : إنّا زيّنّا السماء الدّنيا بالكواكب. وقرأ أبو بكر عن عاصم : «بزينة» بالتنوين وبنصب «الكواكب» ؛ والمعنى : زيّنّا السّماء الدّنيا بأن زيّنّا الكواكب فيها حين ألقيناها في منازلها وجعلناها ذات نور. قال الزّجّاج : ويجوز أن يكون «الكواكب» في النّصب بدلا من قوله : «بزينة» لأنّ قوله : «بزينة» في موضع نصب. وقرأ أبيّ بن كعب ، ومعاذ القارئ ، وأبو نهيك ، وأبو حصين الأسدي في آخرين : «بزينة» بالتنوين «الكواكب» برفع الباء ؛ قال الزّجّاج : والمعنى : إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بأن زيّنتها الكواكب وبأن زيّنت الكواكب. (وَحِفْظاً) أي : وحفظناها حفظا. فأمّا المارد ، فهو العاتي ، وقد شرحنا هذا في قوله تعالى : (شَيْطاناً مَرِيداً) (١).
قوله تعالى : (لا يَسَّمَّعُونَ) قال الفرّاء : «لا» ها هنا كقوله تعالى : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) (٢) ، ويصلح في «لا» على هذا المعنى الجزم ، والعرب تقول : ربطت فرسي لا ينفلت. وقال غيره : لكي لا يسّمّعوا إلى الملأ الأعلى ، وهم الملائكة الذين في السماء. وقرأ حمزة ، والكسائيّ وخلف ، وحفص عن عاصم : (لا يَسَّمَّعُونَ) بتشديد السين ، وأصله : يتسمّعون ، فأدغمت التاء في السين. وإنّما قال : (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) لأنّ العرب تقول : سمعت فلانا ، وسمعت من فلان ، وإلى فلان. (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ) بالشّهب (دُحُوراً) قال قتادة : أي قذفا بالشّهب. وقال ابن قتيبة : أي : طردا ، يقال : دحرته دحرا ودحورا ، أي : دفعته. وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وأبو رجاء ، وأبو عبد الرّحمن ، والضّحّاك ، وأيوب السّختيانيّ ، وابن أبي عبلة : «دحورا» بفتح الدال. وفي «الواصب» قولان : أحدهما : أنه الدائم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والفرّاء ، وابن قتيبة. والثاني : أنه الموجع ، قاله أبو صالح ، والسّدّيّ. وفي زمان هذا العذاب قولان : أحدهما : أنه في الآخرة. والثاني : أنه في الدنيا ، فهم يخرجون بالشّهب ويخبلون إلى النّفخة الأولى في الصّور.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) قرأ ابن السّميفع : «خطّف» بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها. وقرأ أبو رجاء ، والجحدري : بكسر الخاء والطاء جميعا والتّخفيف. وقال الزّجّاج : خطف وخطف ، بفتح الطاء وكسرها ، يقال : خطفت أخطف ، وخطفت أخطف : إذا أخذت الشيء بسرعة ، ويجوز «إلّا من خطّف» بفتح الخاء وتشديد الطاء ، ويجوز «خطف» بكسر الخاء وفتح الطاء ؛ والمعنى : اختطف ، فأدغمت التاء في الطاء ، وسقطت الألف لحركة الخاء ؛ فمن فتح الخاء ؛ ألقى عليها فتحة التاء التي كانت في «اختطف» ، ومن كسر الخاء ، فلسكونها وسكون الطاء. فأمّا من روى «خطف» بكسر الخاء والطاء ، فلا وجه لها إلّا وجها ضعيفا جدّا ، وهو أن يكون على إتباع الطاء كسرة الخاء. قال المفسّرون : والمعنى : إلّا من اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة (فَأَتْبَعَهُ) أي : لحقه (شِهابٌ ثاقِبٌ) قال ابن قتيبة : أي كوكب مضيء ، يقال : أثقب نارك ، أي : أضئها ، والثّقوب : ما تذكى به النّار.
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)
__________________
(١) النساء : ١١٧.
(٢) الشعراء : ٢٠٠ ، ٢٠١.