وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦))
قوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي : فسلهم سؤال تقرير (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) أي : أحكم صنعة (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) فيه قولان : أحدهما : أنّ المعنى : أم من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسّموات والأرض ، قاله ابن جير. والثاني : أم من خلقنا قبلهم من الأمم السّالفة ، والمعنى : إنّهم ليسوا بأقوى من أولئك وقد أهلكناهم بالتّكذيب ، فما الذي يؤمّن هؤلاء؟. ثم ذكر الناس فقال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قال الفرّاء ، وابن قتيبة : أي : لاصق لازم ، والباء تبدل من الميم لقرب مخرجيهما. قال ابن عباس : هو الطّين الحرّ الجيّد اللّزق. وقال غيره : هو الطّين الذي ينشف عنه الماء وتبقى رطوبته في باطنه فيلصق باليد كالشّمع. وهذا إخبار عن تساوي الأصل في خلقهم وخلق من قبلهم ؛ فمن قدر على إهلاك الأقوياء ، قدر على إهلاك الضّعفاء.
قوله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ) «بل» معناه : ترك الكلام في الأوّل والأخذ في الكلام الآخر ، كأنه قال : دع يا محمّد ما مضى. وفي «عجبت» قراءتان قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «بل عجبت» بفتح التاء. وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرّحمن السّلّمي ، وعكرمة ، وقتادة ، وأبو مجلز ، والنّخعيّ ، وطلحة بن مصرّف ، والأعمش ، وابن أبي ليلى ، وحمزة ، والكسائيّ في آخرين : «بل عجبت» بضمّ التاء ، واختارها الفرّاء. فمن فتح أراد : بل عجبت يا محمّد ، (وَيَسْخَرُونَ) هم. قال ابن السّائب : أنت تعجب منهم ، وهم يسخرون منك. وفي ما عجب منه قولان (١) : أحدهما : من الكفّار إذ لم يؤمنوا بالقرآن. والثاني : إذ كفروا بالبعث. ومن ضمّ ، أراد الإخبار عن الله عزوجل أنه عجب ، قال الفراء : وهي قراءة علي وعبد الله وابن عباس وهي أحب إليّ ، وقد أنكر هذه القراءة قوم ، منهم شريح القاضي ، قال : إنّ الله لا يعجب ، إنّما يعجب من لا يعلم ، قال الزّجّاج : وإنكار هذه القراءة غلط ، لأنّ العجب من الله خلاف العجب من الآدميين ، وهذا كقوله تعالى : (وَيَمْكُرُ اللهُ) (٢) وقوله : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) (٣) ، وأصل العجب في اللغة : أنّ الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقلّ مثله ، قال : قد عجبت من كذا ، وكذلك إذا فعل الآدميّون ما ينكره الله عزوجل ، جاز أن يقول عجبت. والله قد علم الشيء قبل كونه. وقال ابن الأنباري : المعنى : جازيتهم على عجبهم من الحقّ ، فسمّى الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء ، فسمّى فعله عجبا وليس بعجب في الحقيقة ، لأنّ المتعجّب يدهش ويتحيّر ، والله عزوجل قد جلّ عن ذلك ؛ وكذلك سمّي تعظيم الثواب عجبا ،
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٠ / ٤٧٦ : والصواب من القول أن يقال : أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيهما قرأ القارئ فمصيب ، فإن قال قائل : وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنيهما؟
إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح ، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل ، وسخر منه أهل الشرك بالله ، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله ، وسخر المشركون بما قالوه.
(٢) الأنفال : ٣٠.
(٣) التوبة : ٧٩.