لأنه إنما يتعجّب من الشيء إذا كان في النّهاية ، والعرب تسمّي الفعل باسم الفعل إذا داناه من بعض وجوهه وإن كان مخالفا له في أكثر معانيه ، قال عديّ :
ثمّ أضحوا لعب الدّهر بهم (١)
فجعل إهلاك الدهر وإفساده لعبا ، قال ابن جرير : من ضمّ التاء ، فالمعنى : بل عظم عندي وكبر اتّخاذهم لي شريكا وتكذيبهم بتنزيلي. وقال غيره : إضافة العجب إلى الله عزوجل على ضربين : أحدهما : بمعنى الإنكار والذّمّ ، كهذه الآية. والثاني : بمعنى الاستحسان والإخبار عن تمام الرّضا ، كقوله عليهالسلام :
(١٢٠٩) «عجب ربّك من شابّ ليست له صبوة».
قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) أي : إذا وعظوا بالقرآن لا يذكرون ولا يتّعظون. وقرأ سعيد بن جبير ، والضّحّاك ، وأبو المتوكّل ، وعاصم الجحدري ، وأبو عمران : «ذكروا» بتخفيف الكاف. (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) قال ابن عباس : يعني انشقاق القمر (يَسْتَسْخِرُونَ) قال أبو عبيدة : يستسخرون ويسخرون سواء. قال ابن قتيبة. يقال : سخر واستسخر ، كما يقال : قرّ واستقرّ ، وعجب واستعجب ، ويجوز أن يكون : يسألون غيرهم من المشركين أن يسخروا من رسول الله ، كما يقال : استعتبته ، أي : سألته العتبى ، واستوهبته ، أي : سألته الهبة ، واستعفيته : سألته العفو. (وَقالُوا إِنْ هذا) يعنون انشقاق القمر (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : بيّن لمن تأمّله أنه سحر. (أَإِذا مِتْنا) قد سبق بيان هذه الآية (٢). (أَوَآباؤُنَا) هذه ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف ، كقوله : (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) (٣). وقرأ نافع ، وابن عامر : «أو آباؤنا الأوّلون» بسكون الواو ها هنا وفي الواقعة (٤). (قُلْ نَعَمْ) أي : نعم تبعثون (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) أي : صاغرون. (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أي : فإنّما قصّة البعث صيحة واحدة من إسرافيل ، وهي نفخة البعث ، وسمّيت زجرة ، لأنّ مقصودها الزّجر (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) قال الزّجّاج : أي : يحيون ويبعثون بصراء ينظرون ، فإذا عاينوا بعثهم ، ذكروا إخبار الرّسل عن البعث ، (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي : يوم الحساب والجزاء ، فتقول الملائكة : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) أي : يوم القضاء الذي يفصل فيه بين المحسن والمسيء ؛ ويقول الله عزوجل يومئذ للملائكة : (احْشُرُوا) أي : اجمعوا (الَّذِينَ ظَلَمُوا) من حيث هم ، وفيهم قولان : أحدهما : أنهم المشركون. والثاني : أنه عامّ في كلّ ظالم. وفي أزواجهم أربعة أقوال : أحدها : أمثالهم وأشباههم ، وهو قول عمر وابن عباس ، والنّعمان بن بشير ، ومجاهد في آخرين. وروي عن عمر قال : يحشر صاحب الرّبا مع صاحب الرّبا وصاحب الزّنا مع صاحب الزّنا وصاحب الخمر مع
____________________________________
(١٢٠٩) ضعيف. أخرجه أحمد ٤ / ١٥١ وأبو يعلى ١٧٤٩ والطبراني ١٧ / ٣٠٩ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٩٣ من طريق ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر مرفوعا. وإسناده ضعيف ، لضعف ابن لهيعة.
وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٢٧٠ وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ، وإسناده حسن! كذا قال رحمهالله ، ومداره على ابن لهيعة ، وهو ضعيف لا يحتج به ، وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٣٤٩ موقوفا وهو أصح.
__________________
(١) هو صدر بيت وعجزه : وكذاك الدهر يودي بالرجال.
(٢) مريم : ٦٦.
(٣) الأعراف : ٩٨.
(٤) الواقعة : ٤٨.