أقرب الطّريقين من أن يكلفهم النّظر فى أمور (١) دنياهم ، وأن يهملهم (٢) فى أمور أخراهم ، فيكونوا كالسّوائم (٣) المهملة التى قد طبعت على (٤) منافعها ومضارها ، فعرفت ذلك بضروب من الرّوائح وبطباعها ، وميّزت ذلك ، وأهملت فى أمر معادها ، فلا ثواب عليها ولا عقاب ، على حسب ما (٥) اختاره (٦) الملحد لنفسه وأشباهه ؛ وأنه (٧) لو جعل مثل (٨) البهيمة على هذه الشّريطة ، لكان خير أله. ولعمرى ، إنّهم (٩) لو كانوا كالبهائم فى صورها وطباعها ، لسقط عنهم الثواب والعقاب ، ولكان ذلك خيرا لهم من أن كانوا فى دنياهم فى صور البشر وفى معرفة البهائم ؛ فألحدوا (١٠) فى دين الله ، وهم يردون فى أخراهم إلى العذاب الأليم.
(٤) فأمّا أهل الدّيانة ، فما اختاره (١١) الله لهم من طاعة الأنبياء والرّسل التى قامت بها سياستهم فى أولاهم ، ثم جازاهم على ذلك بالثّواب الجزيل فى أخراهم ، هو خير لهم وأعمّ نفعا من أن يكون سبيلهم سبيل البهائم. وبعد ، فلو اختار الله لهم ما ذكره الملحد لقلنا : إنّ الّذي اختاره الله لهم ، هو خير لهم. ولكنّا نجدهم محتاجين إلى الأئمّة والمعلمين فى جميع أسباب الدّين والدّنيا ، ولا نجدهم قد ألهموا ذلك طبعا ، ولا يستغنون عن معلّمين فى كلّ صناعة. ولو أنّ أحدهم تكلّف شيئا من الصّناعات من غير تعليم من معلّم قد راضه وعلّمه حتى مهر به ، ثم خاض (١٢) فيه بتكلّفه ، لأفسد عمله ، ولا يلتام له شيء ممّا يحاوله. هذا (١٣) فى الأمور الدّنياويّة ، فكيف من ينظر فى أمور الدّين وما يحتاج إليه من دقيق العلم وجليله؟ وكذلك فى سائر العلوم الدّنياويّة الدّقيقة مثل النّجوم والهندسة ومعرفة الطّبائع وغير
__________________
(١) ـ فى امور : ـ AB (٢) يهملهم : يلهمهم C (٣) كالسوائم : كالسوام ABC (٤) ـ على : فى C (٥) ـ ما : ـ AB (٦) اختاره : اختارAB (٧) ـ وانه : انه AB (٨) مثل : + هذه C (٩) ـ انهم : انه C (١٠) ـ فالحدوا : فالحدودAB (١١) ـ اختاره : اختارC (١٢) ـ خاض : خاص B (١٣) ـ هذا : فهذB