بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ)؟ قلنا (١) : انّهم لم يعنوا بهذا أنّه مجنون معتوه ، ولكنّهم ادعوا أنّ (٢) له تابعا من الجنّ يعلّمه ، وعلى هذا المعنى قالوا به جنّة ؛ لأنّهم لمّا وجدوا للأشياء (٣) التى يخبر بها (٤) حقيقة (٥) من الأمور الغائبة التى كان يذكرها ثم يجدونها كما يقول ، قالوا : هذا له (٦) رئىّ من الجنّ ، وتابع يلقى (٧) إليه هذه الأمور.
(٨) وهكذا قالوا لمن تقدّم من الأنبياء ، كما ذكر الله فى قصّة نوح : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (٨) (٩) وفى قصّة موسى (ع) حكاية عن فرعون حين قال : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ، ثم قال على اثر هذه الآية التى اظهرها من العصا (١٠) واليد : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) فكيف يجوز أن يعنى بقوله مجنون أنّه معتوه ، ثم يقول إنّه لساحر عليم يريد أن يخرجكم من ارضكم بسحره (١١)؟ فكيف يكون المجنون ساحرا عليما؟! وكيف يخاف فرعون من مجنون أن يخرجه من أرضه ولكنّه أراد بقوله مجنون ، أى له رئى من الجن ؛ لانه كان يخبرهم بأشياء تصحّ ، فقالوا هذا من جهة الجنّ. ولمّا رأوا الآيات ، قالوا هذا سحر ، فلم يكن قولهم لمحمّد : معلّم مجنون وبه جنّة ، طعنا عليه فى عقله وكماله وتمام فهمه وتمييزه. فكيف يجوز أن يظنّوا به الجنون مع الامور العظيمة الجليلة التى كانت ترى (١٢) منه؟ ألا تراه (١٣) يقول عزوجل : (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) يعنى ، أم لم يعرفوه بالصّدق والامانة فهم ينكرون عقله ويتهمونه بالكذب ؛ وقد عرفوه بالصّدق والامانة. وقال عزوجل أيضا (١٤) : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ، قوله بنعمة ربك
__________________
(١) ـ قلنا : + لم C (٢) ـ ان : انه C (٣) ـ للاشياء : ـ B ، الاشياءA (٤) يخبر بها : بخيرهاA (٥) حقيقة : ـ B (٦) ـ له : A (٧) ـ يلقى : يلغى A (٨) ـ به : ـ B (٩) حين : A (١٠) ـ العصا : العصى B (١١) ـ بسحره : من سحره A (١٢) ـ ترى : تراC (١٣) تراه : بمجنون : مجنون A ترى A (١٤) ـ عزوجل أيضا : أيضا عزوجل ، AC ، الله عزوجل B