عبادة لغير الله شِرك.
قلنا : وهل يخفى على أحد أنّ قوله ذلك لا يصحّ منه إلّا قضيّة شخصيّة ، وهي دعاء الله ، فإنّ دعاءه يكون مخّ عبادته ؛ من حيث معرفته والالتجاء إليه ، والاعتراف بأنّه الإله لواحد القادر المطلق.
وأين هذا من دعائي ولدي ، وأقول : يا فلان أعطني كذا ، أو توسّط لي عند فلان بكذا.
هذا ، وإن زعم أنّها كلّيّة ؛ بمعنى : أنّ كلّ دعاء من كلّ أحد لكلّ أحد في كلّ عنوان ، هو عبادة له ومخّ العبادة.
فهذا الزعم واضح البطلان ، فلينظر إلى أصحابه وعلمائه وأُمرائه ، فكم يدعو وينادي الرجل منهم غيره ، ويستعين به في حوائجه في حَلّهم وارتحالهم ، وسلمهم وحربهم ، وقضائهم وسياستهم.
فهل كلّ هذا عبادة لغير الله وشِرْك به؟! وهل كلٌّ منهم مشركون؟!
[الاستغاثة بالوسائط]
وأمّا قوله فيما استشهد به من قول الله في سورة القصص : (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ).
فقد دلّت الآية على جواز الاستغاثة بالمخلوق في إبقاء الحياة ؛ وحفظ النفس من الهلكة ؛ أو لغير ذلك من الغايات ، كما استشهد به هو لذلك ، وناقض به دعواه الأولى.
وأمّا دعواه جواز حصرها في أمر الدنيا وفيما هو المقدور للعباد من الأحياء بزعمه وقياسه.
فإنّما تردّها الآيات المطلقة التي استدلّ بها على دعواه ؛ حسبما ادّعاه على أنّ مطلق الاستعانة بالغير والابتهال إليه والتضّرع لديه شرْك به تعالى.