وجشع استعمار البلاد ، واسترقاق العباد ؛ من غير رأفة ولا رقّة ولا شفقة بإخوانهم في الدين ، فضلاً عن البشرية.
فقاموا بمقتضاه وشمّروا على هتك حرمات الله ، ولقد جاءوا بها شيئاً إدّاً (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا).
وأمّا بحسب الظاهر فبجهلهم وجمودهم :
[شبهة تسنيم القبور]
فتارة بشبهة التمسّك بحديث أبي الهياج المروي في صحيح مسلم في قوله : (لا تدع تمثالاً إلّا طمسته ، ولا قبراً مُشرِفاً إلّا سوّيته) (١).
مع وضوح فساد التمسّك به بما تقدّم من السيرة النبويّة ، وما ورد من أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بزيارة القبور وحثّه [عليها] وتعاهدها والدعاء عندها.
والنبيّ من لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).
كيف يأمر بهدم القبور من هو يأمر بزيارتها؟!
أم كيف يأمر بهدمها وهو يزورها ، ويقف عليها ، ويدعو الله عندها؟!
على أنّ تسوية القبور وتسطيحها وتعديلها المقابل لتسنيمها ، المشتقّ من سنام البعير شرفه وعُلُوّه ، كما يدلّ عليه قوله : مُشرِفاً ، وإلّا كان هذا القيد لغواً عبثاً.
وعليه فالحديث يدلّ على مرجوحيّة التسنيم للقبور الذي أخذته العامّة لها شعاراً ، مع مخالفته فعل رسول الله بتسطيحه قبر ولده إبراهيم ، وكما استشهد به لذلك شُرّاح الحديث كالقسطلاني وغيره.
ويدلّ بمفهومه على أفضلية ما ذهبت إليه الإماميّة ، ووافقهم عليه الإمام
__________________
(١) صحيح مسلم ٣ / ٦١.