القبولية فلا تلزم الجهة ، وإن أريد بالاتصال ما يلازمه الاتحاد في الحيز والجهة ، وبالانفصال ما يلازمه الاختلاف فيهما ووقع البعد والامتداد بينهما ، فذلك إنما يلزم على الباري تعالى أن لو كان قابلا للتحيز والجهة. وإلا فإن لم يكن قابلا فلا مانع من خلوه عنهما معا. فإن راموا إثبات الجهة بالانفصال والاتصال ، والخصم لا يسلم ذلك إلا فيما هو قابل للجهة ، أفضى ذلك إلى الدور ، ولا محيص عنه. وليس لهذا مثال إلا ما لو قال القائل : وجود شيء ليس هو عالم ولا جاهل محال ، فيقال : إنما هو محال فيما هو قابل لهما ، وكذا في كل ما هو قابل لأحد نقيضين ، فإن خلوه عنهما محال ، أما وجود ما لا يقبل ولا لواحد منهما فخلوه عنهما ليس بمحال. وذلك كما في الحجر وغيره من الجمادات ، وبهذا يندفع ما ذكروه من الخيال الآخر أيضا.
وعدم التخيل لموجود هو لا داخل العالم خارجه على نحو تخيل الصور الجزئية مع كونه معلوما بالبرهان وواجبا التصديق به غير مضر ، إذ ليس ما وجب التصديق به بالبرهان يكون حاصلا في الخيال ، وإلا لما صح القول بوجود الصفات الغير المحسوسة كالعلم والقدرة والإرادة ونحوه لعدم حصولها في الخيال ، وامتناع وقوعها في المثال ، وما قيل من أن حيث الصفات لا يكون إلا حيث الذات فذلك إنما هو لما كان من الصفات له حيث وجهة ، إذ يستحيل أن تكون الصفات في جهة وحيث إلا وهي في جهة ما قامت به من الذات ، ولا يتصور وقوع الجهة للصفات دون الذات ، وأما ما لا حيث له من الصفات فلا جهة له وعند ذلك فلزوم الجهة والحيث لذات واجب الوجود بالنظر إلى حيث صفاته مع امتناع قبولها للحيث محال.
ولعل الخصم قد يتمسك هاهنا بظواهر من الكتاب والسنة وأقوال بعض الأئمة ، وهي بأسرها ظنية ، ولا يسوغ استعمالها في المسائل القطعية. فلهذا آثرنا الإعراض عنها ، ولم نشغل الزمان بإيرادها.
والله ولي التوفيق.