القانون السابع
في النبوات والأفعال الخارقة للعادات
ويشتمل على طرفين :
تمهيد في النبوات (١) :
__________________
(١) أما في وضع اللغة : فالنبي مأخوذ من النبوة : وهي الارتفاع ، ومنه يقال : تنبئ فلان : إذا ارتفع وعلا. وقيل : النبي هو الطريق. ومنه يقال للرسل عن الله ـ تعالى ـ أنبياء ، لكونهم طرق الهداية إليه. وقيل : أنه مأخوذ من الإنباء : وهو الإخبار ، ولذلك يقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم نبيا ، لإنبائه عن الله عزوجل. وأما في اصطلاح النظار : فقد اختلف فيه : فقالت الفلاسفة : النبي هو من كان مختصا بخواص ثلاثة : الأولى : أن يكون مطلعا على الغائبات ، لصفاء جوهر نفسه ، وشدة اتصالها بالمبادئ الأول من غير تعليم وتعلم ، ولا بعد في ذلك ، فإن التفاوت بين الناس فيما يرجع إلى إدراك المعقولات ظاهر. حتى إن بعضهم قد يكون إدراكه لمعنى في زمن أقل من زمن إدراك الأخر له. ولا حد لذلك ، بل هو في درجة الزيادة ، والنقصان ذاهب إلى من له قوة حدس الأشياء كلها في أقرب زمان ، وإلى من لا حدس له البتة. وما مثل هذه القوة التي بها إدراك المعقولات من غير تعليم وتعلم هي المسماة عندهم بالعقل القدسي. قالوا : وقد يمكن أن يوجد مثل ذلك أيضا في حق من قلت شواغله البدنية لنفسه بالرياضات ، وأنواع المجاهدات. وإما بسبب نوم أو مرض ، أو صرع ، أو غير ذلك على ما هو مشاهد من بعض الناس. الخاصة الثانية : أن يكون بحيث تطيعه الهيولي القابلة للصور الكائنة الفاسدة وهذه أيضا ممكن ، فإن النفوس الإنسانية مؤثرة في المواد كالذي نشاهده من تأثيرات الأنفس في المادة بالاحمرار ، والاصفرار والتسخين عند الخجل ، والوجل ، والغضب ، والسقوط من الأماكن العالية عند توهم النفس ذلك. فغير بعيد ممن كانت نفس نبوية متصلة بالعوالم العقلية أن تتأثر المادة بسبب تعلقها بها بحيث يحدث في العالم عجائب ، وغرائب من ريح شديدة ، وخسف وزلازل ، وإحراق ، وغرق ، إلى غير ذلك. قالوا : وقد يتأتى مثل ذلك لبعض أهل الخلوص ، والصفاء على ما هو معلوم في كل عصر من آحاد الصلحاء. الخاصة الثالثة : أن يكون ممن يرى ملائكة الله ـ تعالى ـ على صور متخيلة ، ويسمع كلام ربه بالوحي وذلك أيضا ممكن بطريقة أن القوتين وهما الخيالية ، والحس المشترك قد تنفعل كل واحدة منهما عن الأخرى ولهذا فإنه قد ينطبع في الخيالية ما كان قد انطبع في الحس المشترك متأديا إليها من الحواس