القاعدة الثانية
في نفي الغرض والمقصود
عن أفعال واجب الوجود
مذهب أهل الحق أن الباري ـ تعالى ـ خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها ، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها ، بل كل ما أبدعه من خير وشر ونفع وضر لم يكن لغرض قاده إليه ، ولا لمقصود أوجب الفعل ، بل الخلق وأن لا خلق له جائزان ، وهما بالنسبة إليه سيان.
ووافقهم على ذلك طوائف الإلهيين ، وجهابذة الحكماء المتقدمين.
وذهبت طوائف المعتزلة إلى أن الباري لا يخلو فعله عن غرض وصلاح للخلق ؛ إذ هو يتعالى ويتقدس عن الأغراض ، وعن الضرر والانتفاع ، فرعاية الصلاح في فعله واجبة نفيا للعبث في الحكم عن حكمته ، وإبطالا للسفه عنه في إبداعه وصنعته ، وأما الأصلح فهم فيه مختلفون : طائفة ألحقته بالصلاح في وجوب الرعاية ، وطائفة أحالت القول بوجوبه بناء على أن ما من صالح إلا وفوقه ما هو أصلح منه إلى غير نهاية ، ثم بنوا على وجوب رعاية الصلاح والأصلح ، باتفاق منهم ، وجوب الثواب على الطاعات والآلام الغير المستحقة كما في حق البهائم والصبيان ، ووجوب العقاب وإحباط العمل على العصيان ، ووجوب قبول التوبة والإرشاد بعد الخلق ، إيصال العقل إلى وجوه المصالح بالإقدار عليها ، وإقامته الآيات والحجج الداعية إليها.
ثم التزموا ـ على فاسد أصلهم ـ أن ما ينال العبد في الحال أو المآل من الآلام والأوجاع والنفع والضر والخير والشر ونحو ، فهو الصالح. ولم يتحاشوا جحد الضرورة ومكابرة العقل في أن خلود أهل النار في النار هو الصالح لهم والأنفع لنفوسهم.
ومما فارق به البغداديون البصريون القول بوجوب ابتداء خلق الخلق ،