الطرف الثاني
في معتقد أهل السنة في الصحابة وإمامة الخلفاء الراشدين
والأئمة المهديين (١)
ولا خلاف فيما بين أهل الحق أن أبا بكر كان إماما حقا ، وذلك باتفاق المسلمين على إقامته ، واجتماع أهل الحق والعقد على إمامته ، واتباع الناس له في أيام حياته ، وموافقة الصحابة له في غزواته ، ونصبه للولاة والحكام ، وتنفيذ أوامره ونواهيه في البلدان. وذلك مما لا قبل بمدافعته ، ولا سبيل إلى مجاحدته ، وأن من تخلف عن بيعته في مبدأ الأمر مثل علي وغيره لم يكن عن شقاق ونفاق ، وإنما كان لعذر وطروء أمر ، وإلا فلو كان ذلك للشقاق ، والخروج عن الوفاق ، لأمر يكرهونه ولا يرتضونه ، لقد كان ذلك مما يسارعون إلى إنكاره ، ويبالغون في إظهاره ، لا سيما في حق الصحابة الذين شاهدوا التنزيل ، وعرفوا التأويل ، وكانوا مع ما هم عليه من قوة اليقين ، والصلابة في الدين ، لا يراقبون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لومة اللائمين ، ولا خوف المخوفين ، ولو كان ذلك مما ظهر ، لقد كانت العادة مما تحيل تطابق الأمة على ترك نقله ، مع توفر الدواعي عليه ، وصرف الهمم إليه ، واتفاق الأمة على ذلك مما يدل ضرورة على كونه أهلا للإمامة ، ومستجمعا لشرائطها أيضا.
ثم كيف ينكر ذلك مع ما عرف من نسبه ، وعدالته وعلمه ، وشجاعته ، وتصرفه في البلاد ، وإصلاح نظام العباد ، بالآثار الدالة عليها ، والعلامات الواضحة المشيرة إليها ، على ما تواترت به الأخبار ، وتتالت به الآثار ، على
__________________
(١) انظر : منهاج السنة لابن تيمية (٢ / ١٧٥) ، والفرقان له (ص ٦٨) ، العواصم من القواصم لابن العربي (ص ٣٧ ، ٤٨) ، الإبانة للأشعري (ص ٩٢) ، وأصول الدين للبغدادي (ص ٢٨١).