القانون السادس
في المعاد وبيان ما يتعلق بحشر الأنفس والأجساد
مقالة الفلاسفة الإلهيين (١) :
والذي ذهبت إليه الفلاسفة أن الأنفس الإنسانية باقية بعد الأبدان ، ولا يلزم فواتها من فواتها ، ولا لسبب خارج.
أما أنه لا يلزم فواتها من فواتها ، فلأن كل شيئين لزم فوات أحدهما من فوات الآخر لا بدّ وأن يكون له به نوع تعلق ، والتعلق إما بالتقدم أو التأخر أو المعية والتكافي ، فلو فاتت النفس بفوات البدن للزم أن يكون لها أحد هذه الأقسام من التعلق.
فإن تعلقت به تعلق المتقدم عليه ، فلا محالة إنه إن كان ذلك النوع من التقدم بالزمان ، أو المكان ، أو الشرف ، أو الطبع ، أنه لا يلزم من فوات المتأخر عنه في تلك الرتبة فواته ، وإن كان التقدم بالذات ، وهو أن يلزم من وجوده وجود ما هو متأخر عنه ، فلا محالة أنه يلزم عند فرض عدم المتأخر عدم المتقدم ، لكن لا لأنه لزم من عدم المتأخر عدم المتقدم بل لأنه لا يكون إلا بعارض في جوهره ، وعدم المتأخر يكون بسبب عدمه إذ هو المرجح له.
وإن كان التعلق بالمكافأة في الوجود فهما متطابقان ، فإن كانا حقيقيين فلا محالة أن ما وقع بينهما من التكافي إنما هو بسبب عارض لهما كما في الأب والابن ، ولا يخفى أن فساد أحدهما في ذاته لا يوجب فساد الآخر في ذاته ، وإن لزم من ذلك فساد العارض الذي أوجب الإضافة بينهما. وإن تعلقها تعلق المتأخر في الوجود فلا محالة أنه لا يلزم من فواته فواتها ، إلا أن يفرض تقدمه بالذات كما بيناه ، ولو كان متقدما عليها بالذات لكان علة لها
__________________
(١) انظر : النجاة لابن سينا (ص ١٧٤ ، ١٩٣) ، والإشارات الإلهية له (٣ / ٧٤٩ ، ٧٧٨) ، والشفاء القسم الثاني الطبيعيات (ص ٢٦ ، ٣٢) ، ومعارج القدس للغزالي (ص ٢١ ، ٢٥) ، ومقالات الإسلاميين (١ / ١٢٤).