والعلل أربعة : إما فاعلية أو مادية أو صورية أو غائية ، لا جائز أن يكون فاعلا لها ، فإنه إما أن يكون فاعلا بنفسه أو بقواه لا جائز أن يكون فاعلا بنفسه ، وإلا كان كل جسم كذا ، ولا جائز أن يكون فاعلا بقواه ، وإلا كان الموجود في الموضوع مقوما لما وجوده لا في موضوع ، وهذا محال. ولا جائز أن يكون لها كالمادة فإن النفس منطبعة في الجسم كما يلي ، ولا جائز أن يكون كالصورة أو الغاية ، إذ الأولى أن يكون بالعكس وإذ ذاك فلا يلزم فوات النفس من فوات البدن.
ولا يتصور فواتها بسبب خارج أيضا ، وإلا كانت قبل الفساد لها قوة قابلة للفساد ، وقد كان لها إذ ذاك قوة قابلة للبقاء بالفعل ، فهاتان القوتان مختلفتا الإضافة لا محالة ، فيستحيل اجتماعهما في شيء واحد لا تركيب فيه ، والنفس بسيطة لا تركيب فيها ولا انقسام بوجه ما ، وإلا فإدراكها لما لا انقسام له في ذاته من الأمور الكلية والمعاني العقلية ، إما بجزء واحد أو بكل جزء. لا جائز أن يكون بجزء واحد وإلا كان باقي النفس معطلا ، ولا جائز أن يكون بكل واحد من الأجزاء ، وإلا فما أدرك بكل واحد إما نفس ما وقع مدركا للآخر أو غيره ، فإن كان هو أفضى إلى أن يكون الشيء الواحد معلوما كرات متعددة في حال واحدة ، وهو محال. وإن كان ما أدرك بكل واحد غير ما أدرك بالآخر لزم أن يكون المدرك في نفسه متحيزا ، وقد فرض غير متحيز ، فإذا ليست النفس جرما ولا قائما في جرم ، إذ الجرم متجزئ إلى غير النهاية ، وإلا كان ما فرض منه غير منحاز إلى جهة ليس هو ما هو منه منحاز إلى جهة أخرى ولكان ما فرض منه على ملتقى مثليه محاذيا لهما ، أو لأحدهما ، لضرورة ألا يكون محاذيا لبعض كل واحد منهما ، وذلك كله محال. فإذا اجتماع القوى المختلفة الإضافة فيها ممتنع.
ولربما قالوا : إن ما قبل البقاء والفساد فلا بد له عند تحقق كل واحد من الأمرين من وجود القوة القابلة له ، وعند تحقق العدم لا بد من تحقق الحامل