القاعدة الثانية
في إبطال التشبيه
وبيان ما لا يجوز على الله تعالى (١)
__________________
(١) مذهب أهل الحق : أن الله تعالى ليس بجوهر. وذهبت الفلاسفة ، والنصارى إلى أنه ـ تعالى ـ جوهر بسيط لا تركيب فيه. وربما تحاشى بعض الحذاق من الفلاسفة :
كابن سينا ، وغيره من إطلاق اسم الجوهر على الله ـ تعالى ـ مصيرا منه إلى الجوهر : هو الذي له ماهية إذا وجدت في الأعيان كان وجودها لا في الموضوع ، وذلك لا يكون إلا فيما وجوده يزيد على ماهيته. والباري ـ تعالى لا يزيد وجوده على ماهيته ؛ بل ذاته وجوده ووجوده ذاته ؛ فلا يكون جوهرا. والمعتمد هو أنا نقول : لو كان الباري ـ تعالى جوهرا ؛ لم يخل إما أن يكون جوهرا كالجواهر ، أو لا كالجواهر. فإن كان الأول : فهو محال لوجوه خمسة : الأول : أنه لا يخلو إما أن يكون وجوده واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. فإن كان واجبا لذاته : لزم اشتراك جميع الجواهر في وجوب الوجود لذاتها ؛ ضرورة اشتراكها في معنى الجوهرية ؛ وهو محال. وإن كان ممكنا : لزم أن يكون قابلا للحدوث ، والعدم ؛ وهو خلاف الفرض ؛ إذ الكلام إنما هو مفروض في واجب الوجود لذاته. الثاني : أنه إما أن يكون قابلا للتجزئة ، أو لا يكون قابلا للتجزئة. فإن كان الأول : لزم أن يكون جسما مركبا ؛ وهو محال كما يأتي وإن كان الثاني : فيلزم أن يكون في الحقارة والصغر ، بمنزلة الجوهر الفرد ، والله ـ تعالى ـ يتقدس عن ذلك. الثالث : أنه لا يخلو : إما أن يكون بذاته قابلا لحلول الأعراض المتعاقبة عليه ، أو لا يكون قابلا لها. فإن كان الأول : فيلزم أن يكون محلا للحوادث ؛ وهو محال كما يأتي. وإن كان الثاني : فيلزم امتناع ذلك على كل الجواهر ضرورة الاشتراك بينها في المعنى ؛ وهو محال خلاف المحسوس. الرابع : أنه لا يخلو : إما أن تكون ذاته قابلة لأن يشار إليها أنها هاهنا ، أو هاهنا ، أو لا تكون قابلة لذلك. فإن كان الأول : فيكون متحيزا ؛ إذ لا معنى للتحيز إلا هذا ، والتحيز على الله تعالى ـ محال لوجهين : الأول : أنه إما أن يكون منتقلا عن حيزه ، أو لا يكون منتقلا عن حيزه. فإن كان منتقلا عنه ؛ فيكون متحركا. وإن لم يكن منتقلا عنه ؛ فيكون ساكنا. والحركة والسكون حادثان على ما يأتي. وما لا يخلو عن الحوادث ؛ فهو حادث والحادث لا يكون واجبا لذاته. الوجه الثاني : هو أن اختصاصه بحيزه : إما أن يكون لذاته ، أو لمخصص من خارج. فإن كان لذاته : فليس هو أولى من تخصيص غيره من الجواهر ـ