معتقد أهل الحق أن الباري لا يشبه شيئا من الحادثات ولا يماثله شيء من الكائنات بل هو بذاته منفرد عن جميع المخلوقات ، وأنه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض ، ولا تحله الكائنات ، ولا تمازجه الحادثات ، ولا له مكان يحويه ، ولا زمان هو فيه ، أول لا قبل له ، وآخر لا بعد له ، ليس كمثله شيء
__________________
ـ به ضرورة المساواة في المعنى. وإن كان بغيره : فيكون الرب ـ تعالى ـ مفتقرا إلى غيره في وجوده ؛ فلا يكون واجب الوجود لذاته. وإن كان غير متحيز : لزم في كل جوهر أن يكون غير متحيز ؛ ضرورة المساواة في المعنى ؛ وهو محال. كيف : وأنه لا معنى للجوهر غير المتحيز بذاته ، فما لا يكون كذلك ؛ لا يكون جوهرا. الخامس : أنه لو كان جوهرا كالجواهر ؛ لما كان مفيدا لوجود غيره من الجواهر ؛ فإنه لا أولوية لبعض الجواهر بالعلية دون البعض ؛ ويلزم من ذلك أن لا يكون شيء من الجواهر معلولا ، أو أن يكون كل جوهر معلولا للآخر ؛ والكل محال. فإن قيل : الجواهر وإن تماثلت في الجوهرية إلا أنها متمايزة ، ومتغايرة بأمور موجبة لتعيين كل واحد منها عن الآخر. وعند ذلك : فلا مانع من اختصاص بعضها بأمور وأحكام ، لا وجود لها في البعض الآخر ، ويكون ذلك باعتبار ما به التعين ، لا باعتبار ما به الاشتراك ؛ فنقول : والكلام في اختصاص كل واحد بما به التعين كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع ؛ فلم يبق إلا أن يكون اختصاص كل واحد من المتماثلات بما اختص به لمخصص من خارج ؛ وذلك على الله ـ تعالى ـ محال. هذا إن قيل إنه جوهر كالجواهر. وإن قيل إنه جوهر لا كالجواهر : فهو تسليم للمطلوب ؛ فإنا إنما ننكر كونه جوهرا كالجواهر. وإذا عاد الأمر إلى الإطلاق اللفظي ؛ فالنزاع لفظي ولا مشاحة فيه. إلا من جهة ورود التعبد من الشارع به ؛ ولا يخفي أن ذلك مما لا سبيل إلى إثباته. وعلى هذا فمن قال : إنه جوهر بمعنى أنه موجود لا في موضوع ، والموضوع هو المحل المتقوم بذاته المقوم لما يحل فيه كما قاله الفلاسفة ، أو أنه جوهر بمعنى أنه قائم بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره كما قاله أبو الحسين البصري مع اعترافه أنه لا يثبت له أحكام الجواهر ؛ فقد وافق في المعنى ، وأخطأ في الإطلاق من حيث إنه لم ينقل عن العرب إطلاق الجوهر بإزاء القائم بنفسه ، ولا ورد فيه إذن من الشارع. انظر الأبكار (٢ / ٤٤٥) ، بتحقيقنا والتأسيس للرازي (ص ٨٦) ، والفصل لابن حزم (٢ / ٢٢) ، وشرح الأصول الخمسة لعبد الجبار (ص ٢١٣).