الطرف الأول من هذا القانون : في بيان جوازها في العقل.
والثاني : في بيان وقوعها بالفعل.
وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من تفسير معنى النبوة لكي يكون التوارد بالنفي والإثبات على محز واحد ، فنقول :
ليست النبوة هي معنى يعود إلى ذاتي من ذاتيات النبي ، ولا إلى عرض من أعراضه ، استحقها بكسبه ، وعمله ، ولا إلى العلم بربه ، فإن ذلك مما يثبت قبل
__________________
ـ الظاهرة من الصور المحسوسة. وعلى هذا : فغير بعيد أن يحصل في الخيال صور ، وأصوات لا وجود لها في الحس الظاهر ، ويتأتى ذلك الانطباع إلى الحس المشترك وبواسطته إلى الحواس الظاهرة كما كان بالعلتين ، فإن القوى الحاسة كالمرايا المتقابلة في انطباع ما في بعضها في بعض. وعند ذلك : فقد يسمع من الأصوات ويرى من الصور حسب ما وقع في الخيال وإن كان لا يراه ، ولا يسمعه أحد من الحاضرين. قالوا : وقد يحصل أيضا نوع من هذا لبعض من قلت شواغله البدنية وإن كان مستيقظا لأم غلب على مزاجه كبعض المجانين والمتكهنين ، والمرضى ، غير أن هذه حالة نقص. والأولى حالة كمال. قالوا : ولا شك أن المادة القابلة لهذا الشخص ممكن أن تقبل مثله في كل وقت. وقال آخرون : النبي من يعلم كونه نبيا ، والنبوة علمه بنبوته. وقال آخرون : النبي هو العالم بربه ، والنبوة علمه بربه. وقال آخرون : النبوة سفارة العبد بين الله ـ تعالى ـ وبين الخلق. وهذه المذاهب فاسدة. أما مذهب الفلاسفة : وقولهم في الخاصة الأولى أن النبي هو الذي يكون مطلعا على الغائبات من غير تعليم وتعلم ، فهو فاسد من ثلاثة أوجه : الأول : أنهم إما أن يريدوا بذلك الاطلاع على جميع الغائبات أو على بعضها. فإن كان الأول : فليس بشرط في كون النبي نبيا بالاتفاق منا ، ومنهم ، ولهذا فإنا نعلم علما ضروريا أن من وجد من الأنبياء ودلت المعجزة القاطعة على نبوته ـ كما يأتي تحقيقه ـ لم يكن عالما بجميع المغيبات ولا مطلعا عليها ، ولهذا قال أفضل المرسلين (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) [الأعراف : ١٨٨] ، وإن كان الثاني : فما من أحد عندهم إلا ويجوز أن يكون مطلعا على بعض المغيبات من غير تعليم ، وتعلم وإن لم يكن نبيا ، فلا يكون ذلك خاصة للنبي ، انظر الأبكار (٥ / ٦٥٨) ، وكذلك الفصوص لابن عربي (١ / ١٨١) (٢ / ٢٥٨) ، أصول الدين للبغدادي (ص ١٥٤) ، والمغني لعبد الجبار (١٥ / ٣٧ ، ٩٧) ، رسائل إخوان الصفا (٣ / ٣٢) (٤ / ١٧٨).