وذلك لأنّه سبحانه يقول في ذيلها : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فلو كان المراد من النفس وزوجها في الآية شخصين معيّنين كآدم وحواء ، كان من حق الكلام أن يقول : «فتعالى الله عمّا يشركان» وهذا بخلاف ما أُريد من النفس وزوجها ، الطبيعة الإنسانية في جانبي الذكر والأُنثى ، إذ حينئذ يصح الجمع لكثرة أفراده.
الرابعة : انّه سبحانه يقول : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) ، ومن المعلوم أنّ المراد من الشرك هو الشرك في العبادة ، وحاشا أنْ يكون آدم صفي الله مشركاً في العبادة ، كيف؟ وقد وصفه الله سبحانه بالاجتباء حيث قال : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١) ، وقال سبحانه : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (٢) ، وقال سبحانه : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) (٣) ، وقال أيضاً : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (٤).
كل هذه الآيات تشهد بوضوح على أنّ الآية تهدف إلى ذكر القصة على سبيل ضرب المثل ، وبيان أنّ هذه الحالة صورة تعم جميع الأفراد من الإنسان ، إلّا من التجأ إلى الإيمان ، فكأنّه سبحانه يقول : هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنساناً يساويه في الإنسانية ، فلمّا تغشى الزوج الزوجة وظهر الحمل دعوا ربّهما بأنّه سبحانه لو آتاهما ولداً صالحاً سوياً ليكونا من الشاكرين لآلائه ونعمائه ، فلما آتاهما الله ولداً صالحاً سوياً جعل الزوج والزوجة لله شركاء في ذلك الولد الذي آتاهما ، فتارة نسبوه إلى الطبيعة كما هو
__________________
(١). طه : ١٢٢.
(٢). الإسراء : ٩٧.
(٣). الزمر : ٣٧.
(٤). الأحقاف : ٥.