قول الدهريين ، وأُخرى إلى الكواكب كما هو قول المنجمين ، وثالثة إلى الأصنام كما هو قول عبدتها ، فردَّ الله سبحانه على تلك المزاعم بقوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١). وعلى ما ذكرنا يحتمل أن يكون المراد من الشرك هو الشرك في التدبير ، ومثل هذا لا يليق أن ينسب إلى من هو دون الأنبياء والأولياء ، فكيف يمكن أن يوصف به صفي الله آدم عليهالسلام؟!
وأقصى ما يمكن أن يقال هو أنّ المراد من النفس الواحدة وزوجها في صدر الآية هو آدم وحواء الشخصيّان ، ولكنه سبحانه عند ما انتهى إلى قوله : (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) التفت من شخصهما إلى مطلق الذكور والإناث من أولادهما أو إلى خصوص المشركين من نسلهما ، فيكون تقدير الكلام (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي تغشى الزوج الزوجة من نسلهما (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ) ... إلى آخر الآية.
وهذا ما يسمّى في علم المعاني بالالتفات ، وله نظائر في القرآن الكريم قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (٢). ترى أنّه سبحانه خاطب الجماعة بالتسيير ثمّ خص راكب البحر بأمر آخر ومثله الآية ، ترى أنّه سبحانه أخبر عن عامّة أمر البشر بأنّهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها وهما آدم وحواء ، ثمّ ساق الكلام إلى مطلق ذرية آدم من البشر.
وهذا الوجه نقله المرتضى في «تنزيه الأنبياء» عن أبي مسلم محمد بن بحر الاصفهاني. (٣)
وتوجد وجوه أُخر في تفسير الآية غير تامة. (٤) وفيما ذكرنا غنى وكفاية.
__________________
(١). مفاتيح الغيب : ٤ / ٣٤٣.
(٢). يونس : ٢٢.
(٣). تنزيه الأنبياء : ١٦.
(٤). لاحظ مفاتيح الغيب : ٤ / ٣٤١ ـ ٣٤٣ ؛ مجمع البيان : ٤ / ٥٠٨ ـ ٥١٠ ؛ أمالي المرتضى : ١٣٧ ـ ١٤٣.